فيبطل أن يكون كلاهما جائز لاستحالته لا معا إذ لا يكون الشيء في حالة واحدة على شخص واحد حلال حرام. ويبطل أيضا كون القسم الثاني إذ جوابه بأن أحدهما محل والآخر محرم يبطل ثبوت التحريم فيهما ولم يبق إلا قسم الاتفاق عن الجواب، وهذا لا يخلو من حالين: إما أن يسلم فيكون كأنه ممن لا جواب له فيها فيكون كأنه سلم اختلاف الصحابة فيه، ولا جواب له فيه وهو قد بين لنا أنه إذا وجد الاختلاف كان مايذهب إليه ما كان له قوة الشبه في الكتاب والسنة.
والحالة الثانية أنه أراد أحدهما غير أنه اكتفى ببيان مذهبه عن الإعادة بأن يقول: اختلفت الصحابة في مذهبين ما الأقوى من المذهبين بالكتاب والسنة فإذا ثبت هذا كان ماذكرناه سالما.
فإن قيل فإنه لو كان الأمر على ذلك لكان القول بالاستدلال منا فاسدا. فالجواب أن هذا لا وجه له لأن أبا عبد الله إنما يجيب لمن قد ثبت عنده أنهم عارفون بالأصول وعابرون على سواء هذا التنزيل وعارفون بالأثر الثابت عن الرسول والذين سألوه فأجابهم إليه فقها كالأثرم وصالح وابن منصور وأبو داود والميموني وأبي زرعة وأبي حاتم ونظرائهم، فمن ذكرناه كل قد علم أصلنا ووقف على طريقة إمامنا وعلم إمامنا ﵁ ضبط ذلك عنه فاكتفى بالجواب على ما سبق من البيان.
جواب ثان - وهو أنه قد يجوز أن يترك ذلك إثباتا أن لا يفوته شيء مما تعلق عليه في وقته فكان يذكر الاختلاف ممتنعا وعليه معولا إذ لا يخرجه ذلك من أن يكون معينا وبالله التوفيق.
وأما عن الجواب الذي قالوه من أن أبا عبد الله كان على وجوه القرآن والسنة مطلعا، فلو أراد بيان الجواب كان إليه سابقا، فذلك لا يؤثر شيئا إذ كونه بذلك عالما فقد بينه لأصحابه بيانا شافيا وكان تيسير بيانه مقنعا في بابه.
1 / 59