تفسير سورة البينة
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته صلوات الله عليه عن قول الله سبحانه : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين )؟
فأ ( أهل الكتاب ): هم أهل التوراة ، والتوراة : فهي الكتاب الذي نزل على موسى عليه السلام ، وأهله وحملته اليهود والنصارى ، وهم أهل ملل كثيرة شتى ، فاليهود منهم فرق كثيرة مختلفة ، والنصارى أيضا فأصناف كثيرة متصنفة.
فمن اليهود : اليهودية ، ومنهم فرقة يقال لها : السامرية ، ومنهم فرق أخرى ، تعرف وتسمى.
ومن النصارى : الملكية ، ومنهم : اليعقوبية ، ومنهم : النسطورية ، في فرق أخرى ، تعرف أيضا وتسمى ، ولسنا نحتاج في هذا التفسير إلى ذكرها ، ولا تفصيل ما هي عليه من أمرها ، غير أنهم كلهم وإن افترقوا في مذاهبهم أهل الكتاب ، والمشركون فهم أهل الإثبات مع الله للآلهة والأرباب ، وهم مشركوا العرب ، ومن كان يقر برب ، ومن الناس من ينكر ويجحد ، أن يكون للأشياء رب يعبد ، ويزعم أن الأشياء لم تزل كما ترى ، ولا يثبت في الأشياء تدبيرا ولا أثرا ، فيكابر في ذلك عماية وجهلا ، ما يدركه بعينه عيانا وقبلا ، من الصنع النير والتأثير ، والبدع المتقن ومحكم التدبير ، الذي لا يخفى على عمي ولا بصير ، وإن لم يقر بمعاد ولا مصير.
وليس أولئك ، ولا من هو كذلك ، من أهل التوراة ، ولا من أهل الكتاب ولا ممن يقر بإله ، ولا برب كالعرب ، ومن كان مشبها للعرب ، ممن يقر بالله ، وإن أشرك مع الله ، فإنما أولئك عند من يعقل كالبهائم السائمة ، وإن لزمتهم الحجة بما جعل الله لهم من الجوارح السالمة ، التي قطع الله بها عذرهم ، وألزمهم بها كفرهم ، وأولئك فليسوا ممن ذكر في سورة لم يكن ، وإنما ذكر فيها من يقر برب وإن لم يؤمن ، من كفرة أهل الكتاب والمشركين ، فقال سبحانه : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين )، والانفكاك والفك ، هو المجانبة لما هم عليه والترك ، وتركهم فهو لإشراكهم ، وانفكاكهم من عقد شركهم ، وفريتهم فيه على الله وإفكهم.
Página 96