أبْعَدُ نَأْي المَلِيحَةِ البَخَلُ ... في البُعْدِ ما لا تُكَلَّفُ الإبلُ
قال الشيخ ﵀: يقول: أبعدنا في المليحة بخلها إذا بخلت وهي الدانية، فكأنها بعيدة الدار، وقد بين ذلك بقوله:) في البعد ما لا تكلف الإبل (أي أن البعد قد يكون بالهجر كما يكون بالفراق.
مَلُولَةُ ما يَدُومُ لَيْسَ لَها ... مِنْ مَلَلٍ دَائمٍ بها مَلَلُ
قال ابن جني: يقال رجل ملول وامرأة، أدخلت الهاء للمبالغة، و) يدوم (في موضع نصب أي تمل كل شيء يدوم إلا مللها، فإنها لا تمله فتتركه، وإن كان أيضا دائمًا.
أنتَ نَقيضُ اسمهِ إذا اخْتَلَفتْ ... قَوَاضِبُ الهِنْدِ والقَنا الذُبلُ
أنتَ لَعَمرِي البَدْرُ المُنيرُ ... ولكِنَّكَ في حَوْمَةِ الوَغَى زُحَلُ
قال ابن جني: أي اسمك بدر وأنت في هذا الوقت زحل، لأنك حينئذ تهلك أعدائك وبدر هو القمر، والقمر سعد، وزحل نحس، فلذلك نقيض اسمه.
وقال الشيخ ﵀: البدر من شأنه أن يصف بالنور، ويهتدي به الناس في الأسفار. فزعم أن هذا الرجل في الحرب يصير نقيض اسمه، لأنه يقتل الناس ويثير الغبار بالخيل فيظلم عليهم الأرض، ويكون فعله في الحرب فعل البدر في الظلم، ثم ذكر في البيت الثاني أنه البدر المنير، ولكنه زحل في موقف الحرب، لأن زحل يزعم المنجمون أنه في صورة الأسود، وهو بطيء السير فكأن هذا الرجل هو كالبدر المنير في الحرب زحل. لأنه لا يسير سيرا سريعا، إذ كان القمر يوصف بسرعة السير وهو كوكب نحس يكثر الهلكة، وبعض الناس يذهب إلى أن زحل ملك الموت.
ومن التي أولها: بقائي شاءَ لَيْسَ ارْتحِالا قوله:
فَما حاوَلْتُ في أرْضِ مُقاما ... ولا أزْمَعْتُ عَنْ أرْضٍ زَوَالا
قال ابن جني: يقول إذا كان ظهره كالوطن لي، فأنا وإنْ جئت البلاد كالقاطن في داره، ولأني أقطع الأماكن فلست مقيما في الحقيقة.
وقال ابن فورجة: كأن أبا الطيب أراد بهذا البيت الإلغاز، وإنما يريد أني إذا جعلت أرضي فتودي، وألفت الترحل فكأني ما أقمت بأرض ولا ارتحلت عن أرض وقد تقدمه قوله:
الفِتُ تَرَحُّلِي وجعلْتُ أرْضِي ... قُتُودِي والغُذَيْرِيّ الجُلالا
لأنه إذا كانت أرضه القتود، فهو لا يزول عن أرضه أبدا، وإذا كان يترحل أبدا فهو لا يريد مقاما في أرض، ويحتمل معنى آخر يخرجه عن حد الألغاز، وذاك أنه يريد إذا كان مسافرا أبدا لا يقيم في بلد ولا مكان، فكيف يكون مزمعا زوالا عن أرض، إنما كان إزماعه حين ارتحل منها، وهو معنى لطيف فافهمه.
سِنانٌ في قَناةِ بَني مَعَدّ ... بَنِي أسَدٍ إذا دَعَوُا النّزَالا
قال ابن جني: بني أسد منصوب لأنه منادى مضاف، ومعناه أن قول بني معد إذا نازلوا الأعداء يا بني أسد، ليقوم في الغناء والدفع عنهم مقام سنان مركب في قناتهم، لأنهم إذا دعوهم أرهبوا الأعداء، وأغنوا عنهم ومنعوا منهم، ويجوز أن يكون) بني أسد (بدلا من) قناة بني معد (كأنه قال: سنان في بني أسد الذين هم قناة في بني معد، يريد بضربهم إياهم، وهذا أقوى من القول الأول.
وقال الشيخ ﵀، يقول بدر سنان في قناة بني معد نسبة إلى معد بن عدنان، وقوله بني أسد يجوز أن يكون بدلا من بني معد، وهو بدل تبعيض؛ لأن بني أسد يرجعون في النسب إلى معد، وهذا كما يقول فلان من بني العباس بن علي بن عبد الله، ويجوز أن يكون نصب بني أسد بإضمار فعل كأنك قلت أعني أو أريد أو نحو ذلك.
يَكُونُ أحَقُّ إثْناءٍ عَليهِ ... عَلى الدّنْيا وأهْلٍيها محُالا
قال الشيخ: يقول كل ما يوصف به المكارم والأفعال الجميلة يكون حقا وإذا وصف به أهل الدنيا كان محالا، فإذا قيل هو كريم فالقائل صادق محق، وإن قيل إن غيره كريم فالقائل كاذب محيل، وكذلك إن أثنى عليه بالشجاعة والحلم وغيرهما مما يحمد.
جَوَابُ مُسائٍلي ألَهُ نَطِيرٌ ... وَلا لَكَ في سؤالِكَ لا، ألا، لا
1 / 73