271

فنقول: إذا انضم ذلك المرجح الى تلك القدرة، فإما أن يصير صدور الكفر واجبا، أو جائزا، أو ممتنعا. والأخيران باطلان، فتعين الأول. أما بطلان كونه جائزا: فلأنه لو كان جائزا، لكان يصح صدوره في وقت وتركه في وقت آخر. فلنفرض وقوعه - إذ المفروض جوازه والجائز ما لا يلزم من فرض وقوعه محال - فذلك المجموع، تارة يترتب عليه الأثر، وأخرى لا يترتب عليه، واختصاص أحد الوقتين بترتبه عليه، إما أن يتوقف على انضمام قرينة إليه أولا يتوقف، فإن توقف، كان المرجح هو ذلك المجموع مع هذه القرينة الزائدة، لا ذلك المجموع، والمفروض خلافه، هذا خلف.

وايضا، فيعود التقسيم في هذا المجموع الثاني، فإن توقف على قيد آخر، لزم التسلسل، وهو محال، وإن لم يتوقف، حصل ذلك المجموع، بحيث يكون مصدرا تارة للأثر، وأخرى لا يكون كذلك مع انه لم يتميز أحد الوقتين بأمر لا يكون في الوقت الآخر عنه، فيكون هذا قولا بترجح الممكن لا عن مرجح، وهو محال.

فثبت أن عند حصول ذلك المرجح، يستحيل أن يكون صدور ذلك الأثر جائزا، وأما انه لا يكون ممتنعا فظاهر، وإلا لكان مرجح الوجود مرجحا للعدم، وهو محال. وإذا بطل القسمان فثبت أن عند حصول مرجح الوجود يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من تلك القدرة ومن ذلك المرجح.

وإذا عرفت هذا، كان خلق الداعية موجبة للكفر، أو الأمر الجبلي الموجب له، ختما على القلب، ومنعا عن قبول الإيمان، فهذا هو السبب الفاعلي، والذي ذكرنا في الفصل المتقدم هو السبب الغائي لوجود الختم وأشباهه، كالطبع والرين والغشاوة والصمم والبكم وغيرها، فإنه تعالى لما حكم بأنهم لا يؤمنون، ذكر عقيبه ما يجري مجرى السبب الموجب له، لأن العلم بالعلة يفيد العلم بالمعلول، والعلم بذي السبب لا يكمل إلا من جهة العلم بسببه، فهذا قول من أضاف جميع المحدثات الى الله على ترتيب الأسباب والمسببات، وأما الأشاعرة، فهم بمعزل عن ذكر المرجح والعلة ها هنا؛ لانكارهم القول بالعلة والمعلول مطلقا.

فصل

[اقوال المعتزلة في المراد من الختم]

وأما المعتزلة، فلما لم يجوزوا بناء على أصولهم خلق الكفر وما يشبهه وما يستدعيه من قبل الله تعالى، لا يجوز عندهم إجراء هذه الآية على ظاهرها من المنع من الإيمان، سيما وقد ذم الله كفارا قالوا: إن على قلوبنا أكنانا وغطاء وفي آذاننا وقر، فقد التجأوا الى حمل الختم والغشاوة على أمور أخرى. قالوا: لأن إسناد الختم الى الله - مع كونه دالا على المنع من قبول الحق والتوصل اليه بطرقه - إسناد أمر قبيح اليه تعالى، والله يتعاظم عمن فعل القبيح علوا كبيرا، لعلمه بقبحه، وعلمه بغناه عنه، وقد نص على تنزيه ذاته عنه بقوله:

ومآ أنا بظلام للعبيد

[ق:29].

ولكن كانوا هم الظالمين

Página desconocida