{ و } إن أردت يا أكمل الرسل زيادة إلزامهم وإسكاتهم، اذكر لهم نيابة عنا وقت { إذ أخذنا } منكم أيها الناقضون لعهودنا والمنكرون لكتابنا { ميثاقكم } الذي واثقكم معنا ثم استثقلتموه وتركتموه { و } ألجأناكم على إيفائه بأن { رفعنا فوقكم الطور } معلقا وقلنا لكم استعلاء وتجبرا { خذوا } وامتثلوا { مآ ءاتينكم } على نبيكم من الأوامر والنواهي { بقوة } جد واجتهاد { واسمعوا } من المعارف والحقائق بسمع الرضا ونية الكشف { قالوا } ظاهرا: { سمعنا } ما أمرتنا به { و } قالوا خفية: { عصينا } عن الامتثال بها { و } سبب عصيانهم أنهم لدناءتهم وسخافة طبعهم { أشربوا } تداخلوا وتجبلوا وتطيبوا { في قلوبهم } التي هي محل الإيمان والتوحيد منازل العرفان واليقين { العجل } أي: محبة العجل المسترذل والمستقبح المستحدث من حليهم ما هي إلا { بكفرهم } بالله وبكتبه ورسله وحصرهم ظهرو الحق في مظهر مخصوص، ومع ذلك يدعون الإيمان بموسى { قل } لهم يا أكمل الرسل تقريعا لهم على وجه التعريض: { بئسما يأمركم به إيمانكم } من إنكار كتب الله وتكذيب رسلهم وقتلهم بغير حق واعتقادهم الشريك لله { إن كنتم } صادقين في كونكم { مؤمنين } [البقرة: 93].
ثم لما اشتهر بين الناس قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وامتنع كثير من الناس القاصدين دين الإسلام وتغمم ضعفاء المسلمين أيضا من هذا الكلام، أشار سبحانه إلى دفعه مخاطبا لرسوله معكم: { قل } لهم نيابة عنا يا أكمل الرسل: { إن كانت } محصورة مسلمة { لكم الدار الآخرة عند الله } التي هي منازل الشهداء والسعداء ومقام العرفاء والأمناء { خالصة } خاصة مخصوصة { من دون } شركة { الناس } المنسوبين إلى الأديان الأخر { فتمنوا } عن صميم القلب ومحض الرغبة { الموت } المقرب لكم إليها والموصل إلى لذائذها، كما ينتمناه خلص المؤمنين بوحدانية الله في أكثر أوقاتهم.
قال المرتضى كرم الله وجهه: " لابن أبي طالب أشوق إلى الموت من الطفل بثدي أمه " ، وقال أيضا: " لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي " ، وقال أيضا:
أبربنا من كل خير وأرأف
جزى الله الموت عنا خيرا فإنه
ويداني إلى الدار التي هي أشرف
يعجل تخليص النفوس من الأذى
وقال عمار رضي الله عنه حين استشهد: " الآن ألقى الأحبة محمدا وصحبه " وأنتم أيضا تمنون الموت المقرب { إن كنتم صادقين } [البقرة: 94] في دعواكم.
{ و } الله { لن يتمنوه أبدا بما قدمت } كسبت { أيديهم } أنفسهم من الحرص وطول الأمل والاستلذاذ باللذات الحسية والوهمية من الجاه والمنزل والمكانة بين الناس، والاستكبار عليهم، ألا تراهم يتوجهون ويرجعون إلى الله عند نزول البلاء المشعر بتعجيل الموت المقرب استكشافا، وإذا كشف ولو على ما هم عليه مدبرين؟! { والله } المحيط بسرائرهم وضمائرهم { عليم بالظالمين } [البقرة: 95] القائلين بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
{ و } الله يا أكمل الرسل، إن فتشت عن أحوالهم واستكشفت عن ضمائرهم { لتجدنهم } أي: اليهود وجدانا صادقا { أحرص الناس على حياة } دائمة مستمرة من نوع الإنسان عموما وخصوصا { ومن الذين أشركوا } واعتقدوا ألا حياة إلا في دار الدنيا، بل { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } ليزيد عليه ألفا آخر، وهكذا { و } الحال أنه بهذه المحبة { ما هو بمزحزحه } بمبعد نفسه { من العذاب أن يعمر } إلى غاية ما يتمناه ويحب، بل ما زاد إلا عذابا فوق العذاب { والله } المجازي لهم أعمالهم { بصير بما يعملون } [البقرة: 96] أي: بجميع أعمالهم في جميع أعمارهم بحيث لا يعزب عن علمه شيء منها.
Página desconocida