La comida en el mundo antiguo
الطعام في العالم القديم
Géneros
يساعدنا جالينوس في فهم سبب اهتمام الكثير من النصوص الوعظية - بما فيها النصوص الأدبية المذكورة في هذا الفصل والنصوص الفلسفية المذكورة في الفصل السابع - بمخاطر الرغبة والشهية، واتضح أن الكبد - كما رأينا في العرض الذي يتناول علم وظائف الأعضاء في كتابات جالينوس في الفصل الثامن - يضم الرغبتين الجسدية والروحية في مكان واحد. وهذا خليط قوي يجب دائما أن يوضع في نطاق السيطرة، ويكبح جماحه جيدا، خصوصا عند ربطه بالأوجه الاجتماعية للرغبة؛ إذ كانت ثمة رغبة تراود الناس في التنافس مع غيرهم من أبناء الطبقة الراقية أو مع القصور الملكية الأخرى. وكانت ثمة إغراءات تتعلق بالعادات الأجنبية الفاخرة - في بلاد فارس أو اليونان أو مقدونيا - بحسب الحقبة الزمنية. وكانت ثمة إغراءات تتعلق بالإمبراطورية؛ إذ جلبت الإمبراطورية كل السلع من أنحاء العالم المعروف إلى أسواق أثينا، وعلى نطاق أوسع بكثير إلى روما. ونظرا لشدة هذه الدوافع التجارية التي تحث الرغبة، أصبحت النصوص الوعظية تقدر قيمة بساطة العادات الريفية وبساطة الماضي وبساطة العادات الشعائرية، سواء أكانت دينية أم موروثة (الامتناع عن بيع المنازل المتوارثة عن الأسلاف من أجل الحفلات والأطعمة والخمور السريعة الزوال). حاول هذا الكتاب تحديد الأوجه المهمة الأخرى للطعام؛ ولكن في هذا الفصل سأناقش بإيجاز تلك النصوص الأدبية التي تركز على الطعام والإسراف فيه.
ناقشنا في الفصل السادس الأجناس الأساسية مثل الشعر المرتبط بجلسات الشراب، والنثر المتمثل في كتاب «حوار المأدبة». وتكثر أوصاف المآدب في النصوص القديمة، ولكن جلسة الشراب - وهي القسم الثاني من المأدبة - هي التي ترتبط تحديدا بالأنشطة الثقافية الأخرى مثل الشعر والألعاب بمختلف أنواعها والفلسفة والعروض الكوميدية الساخرة والأنشطة الفكرية.
وكتب الكثير من الأشعار التي تعود إلى الحقبة القديمة جدا وما بعدها بهدف إلقائه في جلسات الشراب، وكان الكثير منها يدور حول أفكار رئيسية تتعلق بجلسات الشراب. وربما يكون شعر الرثاء هو الأهم، وسبق أن ناقشنا القصائد المهمة لثيوجنيس وكزينوفانيس؛ فهذه القصائد تعرض دور الطعام والشراب والأسطورة في إطار أخلاقي، وهو الإطار الذي يقوم عليه الكثير من شعر جلسات الشراب لهذا العصر. وحاولت أن أبرهن في ويلكنز (2000) أن المسرح الكوميدي كجنس درامي هو أحد أشكال شعر جلسات الشراب، وسأناقش المسرح الكوميدي فيما يأتي؛ إذ إن استخدامه لمكان متاح أمام عامة الناس لتقديم العرض المسرحي يجعل دوره الاجتماعي والسياسي مختلفا بعض الشيء (وليس تماما) عن الشعر المنظوم لإلقائه في المناسبات الخاصة.
وفيما يخص النثر نجد أن كتاب «حوار المأدبة» لأفلاطون أثر تأثيرا شكليا كبيرا على مدار قرون طويلة. وبعيدا عن الأهمية الفلسفية لهذا الكتاب، فإنه يتحدث عن جماعة من الأصدقاء مجتمعين معا، وعما يتفقون على فعله في هذه المناسبة، ويشمل ذلك مأدبة تعقبها جلسة لاحتساء الخمور. وعادة ما يكون الطعام أقل أهمية (باستثناء كتابات لوقيان وأثينايوس)، وإذا كانت الأهداف الأساسية فلسفية - كما هو واقع الحال عادة - فإن أهمية احتساء الخمور تتراجع أيضا. وأشرت فيما سبق إلى بعض المناسبات التي يقيم فيها بلوتارخ مناظرات تتزامن مع جلسات الشراب في كتابه «حديث المائدة»؛ ومع ذلك، يقدم أفلاطون نموذجا رائعا لهذا الجنس الأدبي، ويتمثل ذلك في المحافظة على التوازن بين مناقشة النواحي الجمالية وعلم الوجود، وبين احتساء الشراب. كان معظم المشاركين في جلسة الشراب قد أفرطوا في احتساء الشراب في الليلة الماضية؛ إذ إنهم كانوا يحتفلون بانتصار الشاعر التراجيدي أغاثون، ولكن ألكيبيادس يدخل متأخرا وهو سكران ويشعل الأمسية بأجواء جامحة تشبه أجواء عيد ديونيسيا. وفي النهاية ينتصر سقراط في كل الأنشطة، وذلك بعد أن أعلن عن أكثر النظريات تقدما (وهي نسخة من نظرية المثل لأفلاطون)، وبعد أن شبهه الآخرون بهيئة الإله سيلينوس الذي هو نصف إنسان ونصف حصان أو مساعد ديونيسوس، وبعد أن أسكر الجميع تحت المائدة وعاد إلى بيته في الصباح الباكر.
ومع أن بعض الأفكار الرئيسية تظل ثابتة من «اليونان الكلاسيكية القديمة» إلى حقبة الإمبراطورية الرومانية، فإن أفكارا رئيسية أخرى تنشأ وتتضح أكثر. وينطبق هذا على الكتب التي تقدم استعراضا ثقافيا شاملا لأوجه الطعام وعادات تناول الطعام بنطاق معرفي موسوعي؛ ومن بينها كتب معينة مثل: كتاب بلينوس «التاريخ الطبيعي»، وكتاب بلوتارخ «حديث المائدة»، وكتاب أثينايوس «مأدبة الحكماء». وهذه الكتب تعتمد على كتب أدبية سابقة وأعمال متخصصة ألفها علماء نبات وأطباء وكتاب متخصصون في الشئون الزراعية، كما أنها تعتمد على مجموعات من الكتابات اللغوية والأدبية. كان الطعام من المعايير المناسبة للنقد الأدبي من حقبة مبكرة؛ ومن ثم، جعل أريستوفان شخصيته الأساسية في مسرحية «الضفادع» - وهو ديونيسوس - ينتقد مسرحيات يوربيديس بسبب أجوائها المنزلية (كيفية تنظيم المشتريات والمطبخ والاعتناء بالصحة)، ويشير سقراط في كتاب أفلاطون إلى عدم ذكر الأسماك في أشعار هوميروس.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن الأدب المتخصص كان «واقعيا» من ناحية ما، ولكنه كان أيضا رهنا بعوامل ثقافية قوية كما رأينا مرارا في أعمال كاتو وبلينوس، والقراءة الحرة للمؤلفين الإغريق عادة ما تخفف من الرأي المؤيد للرومان، كما يشير كولميلا؛ فهو يهدف إلى «منح الزراعة أخيرا الجنسية الرومانية (إذ إنها كانت تنتمي حتى تلك اللحظة إلى الكتاب الإغريق)» («عن الزراعة» 1، 1، 12-13). (3) الطعام في أعمال هوميروس
لا بد أن يبدأ استقصاؤنا عن الطعام في الأدب بأفضل الأعمال الشعرية التي تحدثت عن السفر، وهي ملحمة «الأوديسا» لهوميروس؛ ففيها تنحرف سفينة أوديسيوس ورفاقه عن مسارها وتستغرق الرحلة سنوات، ويلتقون بأشخاص غريبي الأطوار ويتمثل جزء من غرابتهم في عادات تناول الطعام التي يتبعونها؛ إذ يتوجهون أولا إلى مدينة إزماروس، وهي موطن قبيلة كيكونيز في تراقيا، وينهبونها. وتأكل قبيلة كيكونيز طعاما إغريقيا عاديا، ولكن يحتفظ كاهن من كهنة أبولو بنبيذ مركز للغاية يفوق تركيز النبيذ العادي بعشرين ضعفا. ثم يبحرون إلى شمال أفريقيا ويلتقون بآكلي اللوتس، ويقدم إليهم هؤلاء فاكهة اللوتس ذات المذاق الحلو الشبيه بالعسل؛ وهذه الفاكهة طعام رائع، ولكنها تجعل من يأكلها يفقد هويته ورغبته في العودة إلى وطنه؛ ومن ثم، لا بد من إجبار رفاق أوديسيوس على مغادرة هذا الفردوس بعد أن يأكلوا من هذه الفاكهة.
ثم يصلون إلى جزيرة المسوخ العملاقة سايكلوب - وهي فردوس من نوع مختلف - حيث يجدون «مروجا رطبة تزدهر فيها الأعناب ولا تفنى أبدا. وتربتها صالحة للحرث بسهولة، ويتسنى لهم حصاد محاصيل وفيرة في موسمها؛ إذ تقع تحت سطحها طبقة خصبة من الطفال الرملي. فضلا عن ذلك، يوجد ميناء مناسب هناك». ويتضح أن كل السمات التي يرغب الإغريقي في توافرها في مكان ما - مثل الزراعة الجيدة والميناء المناسب - أمور لا يعبأ بها مسوخ سايكلوبس، بل يتضح أنهم رعاة غنم من آكلي لحوم البشر، ويأكلون رفاق أوديسيوس دون طهي على العشاء، وذلك بعد ضرب رءوسهم في الأرضية وتمزيقهم إربا. والمكان التالي الذي يبحرون إليه هو جزيرة الملك أيولوس الذي لديه ست بنات متزوجات من أبنائه الستة، ويمضون كل أيامهم في إقامة الولائم، يقول هوميروس: «طوال النهار تفوح القاعة بالروائح الزكية، وتتردد فيها أصداء الموسيقى.» وهي فردوس آخر - خاصة بعد مسوخ سايكلوب الشنيع - ولكن تشيع فيها أعراف زواج غير مألوفة ومستويات من الولائم يصعب تحقيقها في بلد جبلي صخري مثل اليونان. ثم يصلون إلى تيليبلوس وهي مدينة تقع على مكان عال يعيش فيها اللستريجونيون؛ وهؤلاء أيضا من الوحوش الآكلة للبشر، ويصطادون البشر بالرماح وكأنهم أسماك. ثم يصلون إلى جزيرة أييا؛ حيث تعيش سيرسي وهي «إلهة ذات شعر مضفر، وتستطيع الكلام مثل البشر، ولديها قدرات غريبة»، وأبرز قدراتها فيما يخص أغراض هذا الكتاب هي القدرة على مسخ البشر إلى خنازير، وهذا من قبيل خلط الفئات؛ إذ جرت العادة على أن البشر يقدمون الخنازير كقرابين ويأكلونها. وبعد ذلك، ينزل أوديسيوس إلى العالم السفلي؛ يحتاج الموتى طعاما مخصوصا - وهو الدماء - لأنهم فقدوا قوتهم البشرية. وبعد ذلك، يلتقون بجنيات البحر اللاتي يمنعن الرجال من العودة إلى وطنهم، شأنهن شأن آكلي اللوتس؛ إذ «يجلسن في مرج، بينما تتكدس جثث الرجال من حولهن، وقد بدأت تتحلل عظامهم بعد تحلل الجلد». ثم تأتي الجنية سيلا التي تجلس على جرف وهي تعوي عواء فظيعا، وتختطف ستة من رفاق أوديسيوس وتلتهمهم؛ إذ يقول أوديسيوس: «فصرخوا ومدوا أياديهم إلي وهم في أشد سكرات الموت.» ثم يصل أوديسيوس إلى جزيرة أوجيجيا حيث تعيش كالبيسو، وهي أيضا «إلهة ذات شعر مضفر، وتستطيع الكلام مثل البشر، ولديها قدرات غريبة»، وتقترح على أوديسيوس أن تحوله إلى إله خالد حتى يتسنى له أن يأكل من الطعام نفسه الذي تأكل هي منه - وهو طعام الآلهة - ولا تضطر لتحضير وجبتين مختلفتين لهما؛ طعام البشر له وطعام الآلهة لها.
وفي آخر الأمر، يجبر أوديسيوس نفسه على ترك هذه الخليلة الرائعة، ويرفض اقتراحها بتقديم طعام الآلهة وتحويله إلى إله خالد، ويبحر إلى جزيرة فياشا، وأهل هذه الجزيرة أشبه بالملك أيولوس؛ إذ يعيشون بجوار الآلهة ولديهم إمكانيات زراعية هائلة، ويعيشون في فردوس من نوع مختلف بعض الشيء. وأهل جزيرة فياشا هم الذين يعيدون أوديسيوس إلى بلاده في إيثاكا وإلى زوجته الإنسية - بينيلوبي - التي سرها أن يعود إليها بعد عشيقاته الإلهيات الكثيرات. ويعود إلى ثقافته الأصلية حيث يأكل الناس الحبوب، ويشربون النبيذ الممزوج بالماء، ويستعملون زيت أشجار الزيتون، ويقدمون الحيوانات الزراعية كقرابين على حسب النموذج الإغريقي المتعارف عليه.
ثمة مؤشرات كثيرة تفرق بين ثقافة وأخرى؛ أولها المنتجات الزراعية وكيفية تحضيرها وأكلها، وثانيها العلاقة الراسخة بين الإنسان وعالم الحيوان. ونعود إلى واقعة في الجزء الثاني عشر من ملحمة «الأوديسا» كنت قد غفلت عنها منذ قليل؛ إذ يصل أوديسيوس ورفاقه - بعد أن كانوا يهربون معظم الوقت من الجنية سيلا آكلة لحوم البشر - إلى «الجزيرة الجميلة التابعة لإله الشمس». ومع أن رفاق أوديسيوس تلقوا تحذيرا من سيرسي بالامتناع عن أكل ماشية إله الشمس، فإنهم يحاولون تقديم هذه الماشية كقرابين أثناء نومه. ويقول هوميروس أنهم يعجزون عن تقديم قرابين بالطريقة المعتادة (طريقة بروميثيوس التي جاء شرحها في الفصل الأول)؛ لأنه لم تكن لديهم حبوب شعير حتى ينثروها على رءوس الحيوانات، ولا نبيذ لإراقته في طقس إراقة الخمر المقدم إلى الإله. وهم يشتركون في ذلك مع مسوخ سايكلوبس والعمالقة اللستريجونيين وسيرسي في خلط العلاقة بين البشر - وهم المتحكمون في طقس تقديم القرابين - وبين الحيوانات، وهي الكائنات التي تقدم كقرابين (راجع للاستزادة الفصل الأول، وفيدال ناكويت 1981). ***
Página desconocida