La comida en el mundo antiguo
الطعام في العالم القديم
Géneros
إذن، ففي هذا البحث الفلسفي يربط جالينوس نظرية أفلاطون عن الروح ذات الجوانب الثلاثة (كما عبر عنها في كتابيه «الجمهورية» و«طيمايوس») برؤيته هو عن علم وظائف الأعضاء، محددا موضع كل جانب في العضو الخاص به؛ وبذلك يدحض أخطاء خريسيبوس وغيره من الرواقيين على وجه التحديد، ويربط بين تركيب الجسم (بجهازه الهضمي واحتياجاته الغذائية؛ أي بشهيته الجوهرية التي تحل محل النسيج التالف وتساعد في نمو الجسم الصغير)، وبين اهتمام الفلاسفة بالرغبة والموت، كما ناقشنا في الفصل السابع. وكما شرح تيلمان (2003)، فإن النظام الذي وضعه جالينوس يعتمد على أفلاطون، ولكنه يشمل أفكارا يقينية عن وظائف الأعضاء، وهي أفكار لا يؤكدها أفلاطون في أي من كتاباته؛ ويعود ذلك جزئيا - كما يقول جالينوس - إلى أن الأطباء مهتمون بالأعضاء، والفلاسفة مهتمون بالأنشطة المتعلقة بالروح. ونظرا لاهتمامات جالينوس التي تجمع بين أكثر من مجال في كتاباته، ولاعتقاده أن الطبيب البارع هو أيضا فيلسوف بارع، فإن جالينوس يقترب من تلك النصوص الأدبية والوعظية التي نحللها في الفصل التاسع، والتي تركز على الدور الفعال الذي يلعبه كل من اللسان والحلق في الشهية، بالإضافة إلى الدور الفعال للبطن والكبد. تتحكم كل أعضاء الجسم هذه - والكبد بالتحديد - في شهيات الجسم التي يجب أن تكون دائما في نطاق التحكم والسيطرة؛ ومن ثم، فإنه يحدد وجود الطعام والرغبة في الكبد، وذلك من الناحية الفسيولوجية والروحية والأخلاقية. ومن الممكن أن نضيف أن الكبد كان أيضا من الأعضاء الحيوية، أو «سبلانكنا»، التي كانت محور طقس تقديم القرابين وغيره من الأنشطة الدينية مثل التنجيم (راجع الفصل الثالث وفيرنان 1989 ودوراند 1989).
يتناول جالينوس أيضا السؤال المعقد الذي يستفسر عن كيفية تحول الدم إلى أعضاء الجسم الأخرى، وذلك فور صنعه من الطعام الموجود في الكبد (كتاب «عن القوى الطبيعية» 3، 4، ترجمه إلى الإنجليزية: بروك): «كيف إذن يتحول الدم إلى عظام دون أن يثخن قوامه ويصبح أبيض اللون، قدر الإمكان؟ وكيف يتحول الخبز إلى دم دون أن يتخلى عن بياضه تدريجيا ويكتسب اللون الأحمر تدريجيا؟ ولذلك، فمن السهل أن يصبح الدم لحما؛ فإذا كانت الطبيعة تعمل على تغليظ قوامه إلى حد أنه يكتسب قواما معينا ولا يكون سائلا، فإنه بذلك يصبح لحما جديدا ...»
في ظل تعذر إمكانية تشريح الأعضاء الداخلية للجسم بالقدر المناسب، نجد أن الكثير من المناقشات المتعلقة بالهضم تحاول أن تبرهن على وجود تأثير على الأعضاء الداخلية للجسم بفعل عامل ما، وذلك بالقياس على خواص خارجية. وفي استثناء لهذا الأسلوب من التفكير، يشرح جالينوس خواص البصليات:
إن السبب في أن كل هذه المواد (مثل الخردل والمخللات والثوم والبصل) التي تتسبب في أذى خارجي لا تتسبب في حدوث الأثر نفسه عند أكلها هو: أنها تتغير وتتحول عند هضمها في المعدة، وفي أثناء عملية تكوين الدم في الأوردة، وأنها لا تظل في مكان واحد، بل تقسم إلى أجزاء صغيرة تسير في مختلف الاتجاهات، وأنها تخلط مع الكثير من الأخلاط وكذلك مع غيرها من الأطعمة التي أكلت معها في الوقت نفسه، وأن هضمها وإخراجها يحدثان بسرعة، وعن طريق هاتين العمليتين - الهضم والإخراج - يتم تمثيل كل ما هو مفيد لطبيعة الكائن الحي، أما البقايا فتخرج عن طريق المعدة والبول والعرق. («الأمزجة» 3، 3، ترجمه إلى الإنجليزية: سنغر)
يستخدم جالينوس مفهوم التقسيم إلى أجزاء صغيرة في كتابات أخرى (نجد مناقشة لأهميته الدوائية في ديبرو (1997).) وللأخلاط دور مهم للغاية في الطب القديم؛ إذ اكتشفوا أن الأخلاط موجودة في النبات والحيوان والإنسان، وأنها قد تكون موجودة لدى الإنسان في أنحاء مختلفة من الجسم، بما في ذلك الجهاز الهضمي. يوضح جالينوس - في بحثه «عن قوى الأطعمة» (1، 1) - أن موضع التقاء المريء والمعدة ربما يكون مكانا تنشأ فيه المشكلات:
أعرف شخصا كان يشكو من المنطقة المحيطة بمدخل المعدة، وأدركت من وصفه أن البلغم قد تجمع في هذا المكان، فنصحته بإضافة الخردل والكراث والبنجر إلى طعامه؛ لأن هذه الأطعمة تقلل من البلغم. وأفرز كمية كبيرة من البلغم من معدته وشفي تماما من شكواه، ولكنه على العكس من ذلك تعرض لعسر هضم بعد تناول أطعمة لاذعة، وشعر بآلام حادة في معدته. وكان قد أكل الخردل مع البنجر، ولم يفاجأ بالطعم اللاذع فحسب، بل ساءت حالته بدرجة كبيرة. واندهش بالطبع من أنه تعرض لكل هذا الأذى بسبب وصفة سبق أن أفادته، وجاءني لمعرفة السبب. (ترجمه إلى الإنجليزية: جرانت)
قد يتسبب البلغم في مشاكل أسوأ، كما يشرح جالينوس في بداية «عن النظام الغذائي المستخدم في تخفيف الأخلاط» 1:
ينصح باستعمال النظام الغذائي المخصص لتخفيف الأخلاط لمعظم الأمراض المزمنة التي من الممكن فعليا علاجها بهذه الوسيلة وحدها، دون اللجوء إلى العقاقير؛ ولذلك، من المهم تكوين فكرة واضحة عن هذه الحمية؛ فأيا كان المكان الذي تتحقق فيه نتيجة عن طريق الحمية، فمن المفضل الامتناع فقط عن اتباع الوصفات الدوائية ... الكليتين والمفاصل ... صعوبات التنفس المزمنة ... تضخم الطحال وتصلب الكبد ... الصرع. (ترجمه إلى الإنجليزية: سنجر)
هذا الاستشهاد مأخوذ من بحث يتحدث عن نظام غذائي خاص يهدف إلى تخفيف الأخلاط، بمعنى التقليل من لزوجة أخلاط معينة، كالبلغم على وجه التحديد. ولكن، يتضح لنا من بحث جالينوس الأطول الذي ألفه لاحقا - «عن قوى الأطعمة» - أن الأخلاط الأغلظ قواما كثيرا ما كانت أكثر ضررا من الأخلاط الأخف قواما، مع أن المواد المغذية غالبا ما كانت ترتبط بالخلط الغليظ. وحديثه عن اللحم البقري - وهو البروتين الأهم من نواح كثيرة كما رأينا - يتسم بالحدة:
يوفر اللحم البقري مواد غذائية غنية وغير سهلة الهضم، مع أنه يجعل قوام الدم أغلظ من الحد المناسب. وإذا أكل شخص يميل بطبعه إلى الكآبة والسوداوية من هذا الطعام حتى الشبع، فسيصاب بمرض مرتبط بالكآبة والسوداوية. وهذه الأمراض هي السرطان وداء الفيل والجرب والجذام وحمى الربع وأي أمراض تندرج تحت السوداوية أو الاكتئاب ... ويفوق اللحم البقري في غلاظة مادته لحم الخنزير، بنفس الدرجة التي يفوق بها لحم الخنزير اللحم البقري من حيث اللزوجة. (جالينوس، «عن قوى الأطعمة» 3، 1، ترجمه إلى الإنجليزية: جرانت)
Página desconocida