La comida en el mundo antiguo
الطعام في العالم القديم
Géneros
أشرت في مواضع أخرى إلى تعليق جالينوس (الوارد في كتابه «عن قوى الأطعمة» 1، 2) بخصوص الشهية الكبيرة للعمال المشتغلين بالأعمال اليدوية، وقدرتهم على سرعة التهام الأطعمة التي يعجز الموسرون عن تناولها، ولكن ذلك كان يكبدهم خسائر منها اعتلال الصحة المصحوب بآلام والوفاة المبكرة. وكانت الحياة الكئيبة التي يعيشها العامل الزراعي يخففها اختلاف المواسم - كما يذكر كامبوريزي - وإلى حد ما الأعياد والمناسبات الخاصة التي تتخلل حياته مثل الزواج؛ ففي هذه المواقف، يصبح من الوارد تناول القليل من اللحم أو الأطعمة المميزة - مثل الخبز بالجبن - وهو الموضوع الذي يتناوله نص جالينوس حين يتحدث عن عادة الريفيين في تناول الطعام بسرعة ودون تعقل. كان الريفيون يستمتعون بتنوع الطعام، ولكنهم لم يستفيدوا منه من الناحية الطبية، هذا إذا كان لنا أن نصدق جالينوس. وقطعا كان الأغنياء من المجتمعات الريفية والحضرية أفضل حالا. وشهدت أنحاء الإمبراطورية الرومانية تدرجات كثيرة وقدرا كبيرا من التنوع بين نقيضين هما فئة عمال الحقول والموسرين الذين كانوا يقبضون على زمام الأمور في السياسة المحلية والعالمية. وكان الكثيرون يستطيعون شراء أنواع الخبز والعصيدة المصنوعة من الحبوب والبقوليات التي تأتي في مقدمة السلم الهرمي للحبوب، وكانوا أيضا يستطيعون شراء أطعمة الباعة الجائلين، وكان من بينهم من يحصلون على كميات صغيرة من اللحوم والأسماك، إذا توافرت لديهم الموارد المالية الكافية، كما سأناقش في الفصل التالي.
رأينا في الفصول السابقة مدى الأهمية التي يحظى بها الطهي في الكثير من مجالات الفكر القديم. والطهي مهم للغاية في معالجة الحبوب، كما يؤكد جالينوس بنفسه في الحكاية التي رواها (راجع الفصل الثاني) عن دقيق القمح المسلوق؛ وهذه هي طريقة الطهي المستخدمة لطهي ثمار البلوط والكستناء التي سبق أن ناقشناها، ولكنها تستخدم هذه المرة لطهي القمح الأفضل والأعلى شأنا. ونجد أن الأسئلة التي يوجهها جالينوس إلى مضيفيه عند تعرضه لحالة عسر هضم فظيعة بسبب تناوله هذه العصيدة، تكشف عن أنهم يسلقون القمح كطريقة سريعة لإعداد الطعام عند نفاد الخبز. وتسلط هذه القصة الضوء على فكرة مهمة مفادها أن التحضير كثيرا ما تضارع أهميته أهمية نوع الحبوب أو البقوليات المستخدمة؛ فعملية تحضير الحبوب تستغرق وقتا طويلا؛ نظرا لضرورة إزالة القشرة الخارجية غالبا قبل طحن الحبوب حتى تتحول إلى دقيق، وكانت هذه المهمة - كما رأينا - يكلف بها العبيد، وكثيرا ما تكلف بها النساء. وتعفى نساء أثينا من أداء هذه المهام الشاقة، التي تستغرق وقتا طويلا في فقرتين من تأليف أريستوفان، أما زميله الشاعر الهزلي فيريكراتيس فيقدم (في الشذرة 10، كاسيل أوستن) شخصية تتحدث عن تردد أصداء صوت الطحن في أنحاء القرية في الصباح الباكر حين تطحن النساء الحبوب في مطاحنهن (راجع الفصل الثاني). يقول أرسطو (في كتابه «السياسة») إن النساء في الأسر الفقيرة يؤدين أعمال العبيد (راجع ويلكنز 2000).
كان تحضير الحبوب يتفاوت تفاوتا كبيرا. يقدم براون (1995) لمحة عامة عن صناعة الخبز وإنتاج «المازا» في بلدان البحر المتوسط قديما، ويضيف مناقشة مفيدة عن العادات اليهودية الواردة في العهد القديم من الكتاب المقدس لتكملة الدليل الذي يقدمه المؤلفون القدماء بخصوص البلدان ذات الحضارة الإغريقية الرومانية، والذي يقدمه جالينوس تحديدا؛ إذ إنه يناقش أيضا آسيا الصغرى ومصر وأحيانا سوريا. كان القمح أحيانا يطحن ناعما لصناعة أفضل نوع من خبز القمح، ولكن كان يصنع منه نوع أكثر خشونة وهو الجريش القديم، الذي ربما يعادل القمح المجروش أو البرغل في العصر الحديث، أو كان يتسم بملمس حبيبي مثل جريش القمح (السيمولينا). وكان من الممكن تحضيره أيضا في هيئة عصيدة، مثل المازا. ويؤكد لنا جالينوس بما لا يدع مجالا للشك أن القمح المسلوق في قدر يكون أقل جودة بكثير من القمح الذي يتحول إلى خبز. ولكن اختلاف أنماط خبيز الخبز أيضا كان يؤدي إلى ظهور منتجات مختلفة للغاية؛ وكانت هذه الاختلافات تشمل القوام، وقطعا الطعم، وأيضا الآثار الطبية. يسجل جالينوس ذلك (في كتابه «عن قوى الأطعمة» 1، 2) كما يلي:
يطلق الرومان - هم ومعظم الشعوب التي يحكمونها - على أنقى أنواع الخبز اسم «سيليجنيس»، ويطلقون على النوع الذي يليه اسم «سيميداليس». و«سيميداليس» اسم إغريقي قديم، أما «سيليجنيس» فهو ليس إغريقيا ولكني لا أستطيع أن أسميه بأي اسم آخر. ونجد أن «سيليجنيس» هو أكثر نوع مغذ فيها، ويأتي بعده «سيميداليس»، والنوع الذي يتخذ منزلة وسطى بينهما - وهو المصنوع من الدقيق الكامل - يأتي في المرتبة الثالثة. وتأتي في المرتبة الرابعة مجموعة أصناف الخبز المصنوعة من الحبوب غير المغربلة، وأسوءها هو رغيف خبز النخالة، وهو حقا أقل نوع مغذ، كما أنه أكثر نوع يسبب الرغبة في التبرز من بين كل أنواع الخبز. وأفضل أنواع الخبز السهلة الهضم هي الأنواع التي روعي تخميرها لأطول مدة، وعجنها بإتقان شديد، وخبزها في فرن متوسط الحرارة؛ فالحرارة المرتفعة تحرق الخبز فورا عند تعريضه لها، وينتج عنها مظهر يشبه الفخار من الخارج؛ ويتضح أن الرغيف جودته رديئة لسببين: أن داخل الرغيف يكون نيئا وغير مخبوز كما يجب، بينما يكون خارج الرغيف مخبوزا بإفراط ويبسا وأشبه بالفخار. (ترجمه إلى الإنجليزية: باول)
تشبه تعليقات جالينوس تعليقات ديفيليوس السيفنوسي وفيليستيون، وهما طبيبان من العصر الهلينستي استشهد بهما «جالينوس»، وهو أحد المتحدثين البارعين شبه الروائيين الذين ورد ذكرهم في كتاب «مأدبة الحكماء» من تأليف أثينايوس. يمتدح فيليستيون الخبز الطازج مفضلا إياه على الخبز اليابس، ويصرح بأن الخبز المخبوز بطريقة الغمر بالرماد («إنكروفياس») ثقيل وصعب الهضم، وأن الخبز المخبوز في فرن صغير («إبنيتيس») أو في موقد صغير («كامينيتيس») صعب الهضم. ويرى أن الخبز المطهي في المجمرة (إسخاريتيس) أو في مقلاة مسطحة (تاجنيستيس) زيتي وصعب الهضم، ويرى أن أفضل نوع هو الخبز المخبوز في فرن واسع (كليبانيتيس). وهذه المصطلحات القائمة على وسائل الخبز مصطلحات منتشرة. للاطلاع على مناقشة حول ذلك، راجع دالبي (1996: 91). ففي هذا التحليل الطبي - الذي أدلى به جالينوس نفسه في كتابه «عن قوى الأطعمة» 1، 2 - نجد أن الخبز المخبوز في فرن واسع هو الأفضل، وربما كان سيتفق مع هذا الرأي أهل أثينا ممن كانوا يشترون الخبز من بائعي الخبز، أو ممن كانوا يتوجهون إلى النسخة الأثينية من مخبز بولان الفرنسي الشهير، وهو مخبز ثياريون؛ وربما كان سيتفق الرومان مع هذا الرأي إذ أخذوا يترددون على المخابز التجارية بدءا من القرن الثاني قبل الميلاد إلى ما بعد ذلك، في روما وبومبي وأماكن أخرى. وهنا، نشهد نموذجا لرأي طبي وذوق رائج يخالف مخاوف دعاة الوعظ الأخلاقي.
ويصف جالينوس (1، 5) لمن لم يستطيعوا صنع الخبز - «وهم كثر في ريف منطقتنا» - دقيق القمح المسلوق في الحليب. وكان هناك أيضا دقيق قمح مطحون خشن (كوندروس) مسلوق بالماء، وكان يؤكل مع مزيج من النبيذ والعسل ، أو مع النبيذ فقط، سواء أكان النبيذ حلوا أو لاذعا (1، 6). وكان من الممكن إضافة الزيت والملح والخل إليه. كما كانت هناك أطباق ريفية مصنوعة من القمح الوحيد الحبة المسلوق مع «سيرايون» أو الملح، وأطباق أخرى مصنوعة من القمح الثنائي الحبة الممزوج مع عصير العنب، أو النبيذ الحلو، أو مزيج النبيذ والعسل (1، 13).
وعن تحضير الشعير، يذكر جالينوس (1، 9-10) أنه يمكن استخدامه في صنع الخبز - وأنه يجب أن يصبح النوع المفضل - على أن تكون «المازا» هي المنتج الأساسي. ما هو المقصود ب «المازا»؟ معناها حرفيا رغيف معجون، ولا يترك ليختمر لوقت طويل، هذا إذا ترك ليختمر أصلا؛ فهي طريقة لإدماج الشعير أو دقيق من نوع آخر مع السوائل وربما النكهات؛ ومن ثم، كانت هناك صورة سائلة منها، وأحيانا ما تمثلها العصيدة، فهي عبارة عن مزيج من حبوب في صورة سائلة مع العسل والحليب أو سوائل أخرى، خصوصا «سيرايون» أو عصير العنب المركز. أو كان من الممكن تجفيفها وتقسيمها إلى قطع أصغر وحفظها لعدة سنوات (فوكسهول وفوربز 1982: 66). أو يمكن تحويلها إلى «كعكة مسطحة» - كما في الكثير من أشكال «بلاكوس» - أو يمكن طهيها ككعكة حلوة.
وفي حالة اختيار شكل العصيدة، يمكن إضافة الخل والزيت في بداية الطهي والملح أيضا (قبل الأكل بقليل)، وكل ما يمكن إضافته غير ذلك هو الكراث وبعض الشبت. ينتقد جالينوس المكونات الأخرى التي يضيفها الطهاة، مثل عصير العنب المغلي أو عصير العنب غير مكتمل التخمر؛ وذلك لأسباب طبية (بخصوص «هيبسيما» و«سيرايون» راجع دالبي 1996: 89) والعسل والكمون. ومن الواضح أن هذا «الهريس» أو «العصيدة» كان هناك منه الحلو والمالح، وكان هو منتج الشعير الأساسي والخيار الأول في حالة عدم تحويل حبوب الشعير إلى خبز مسطح أو كعكات.
ومن الأطعمة الأخرى المصنوعة من الحبوب التي يذكرها جالينوس الشوفان (1، 14) الذي يؤكل في آسيا مسلوقا في الماء والنبيذ الحلو - «هيبسيما» - أو في مزيج من النبيذ والعسل. وتؤكل حبوب الدخن المسلوقة في المجتمعات الريفية في آسيا الصغرى (1، 15)، وتقدم ممزوجة بدهن الخنزير أو زيت الزيتون أو تسلق مع الحليب، وكانت تؤكل أيضا في مناطق من إيطاليا حيث كانت من المحاصيل التي تحقق نجاحا يفوق نجاح القمح أو الشعير. وكان يصنع من الجاودار («بريزا») خبز داكن في مقدونيا وتراقيا، وكان جالينوس (1، 13) يرى أن ذلك الخبز رائحته كريهة.
ويقوم السلم الهرمي للحبوب الذي ناقشته على عدد من الاعتبارات؛ الاعتبار الأول هو أن الأمر يتضمن مشهدا كبيرا؛ ومن ثم يمكن وضع القمح والشعير والجاودار وغيرها من الحبوب جنبا إلى جنب وبحثها. ومن المرجح أن تصدر وجهة نظر من هذا النوع من كاتب أو عالم في أحد المراكز الحضرية أو الفكرية الكبرى مثل روما، أو في روما وبيرغاموم في حالة جالينوس. وتختلف تماما وجهة النظر هذه عن وجهة نظر المزارع الذي يقيم في منطقة ما ويحاول زراعة الحبوب التي تناسب التربة الزراعية والمناخ في تلك المنطقة؛ فإذا كان من المرجح أن تنجح زراعة الدخن أو الجاودار في منطقة البحر الأسود، فستزرع تلك الحبوب. ويوجد أيضا موضوع زراعة أكثر من محصول واحد بهدف التصدي للمخاطر المحتملة على نحو أكثر فعالية. فضلا عن ذلك، لا بد أن تتحدث مناقشة أصناف الخبز عن أنواع الدقيق المصنوعة من حبوب غير القمح؛ والدليل المتعلق بثمار الكستناء الوارد في كتاب كامبوريزي يثبت هذا. يذكر أثينايوس «إتنيتاس» - وهو دقيق مصنوع من البقوليات - في الجزء الثالث من كتابه.
Página desconocida