La comida en el mundo antiguo
الطعام في العالم القديم
Géneros
وكانت الحبوب - وأيضا أنواع الفول والبقوليات - هي أساس النظام الغذائي القديم، وكانت هذه الأطعمة هي «سيتوس» - أي المكونات الأساسية للنظام الغذائي - التي كانت تضاف إليها مكملات بروتينية، سواء أكانت من اللحوم أم الأسماك أم الخضراوات أم الفواكه. وكانت هذه المكملات تعرف باللغة اليونانية ب «أوبسا»، وباللغة اللاتينية ب «بولمينتاريا».
فالحبوب والبقوليات تمد الجسم بمعظم متطلباته من الطاقة ، وكذلك من البروتينات والفيتامينات والمعادن الضرورية. أما بخصوص المتطلبات اليومية من السعرات الحرارية، فيقترح ويلز (1998: 12) 1940 سعرا حراريا للنساء اللائي دون سن 50 و2550 سعرا حراريا للرجال. وهذه الأرقام أقل من الأرقام التي استخدمها فوكسهول وفوربز (1982: 48-49)، وهي مأخوذة من منظمة الغذاء والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. ووفقا لما يذكره الأخير، يحتاج الذكر ذو النشاط المرتفع إلى 3337 سعرا حراريا، في حين تحتاج الأنثى ذات النشاط المرتفع إلى 2434 سعرا حراريا. ومن الممكن اعتبار قدر كبير من السكان القدماء - خارج نطاق الطبقات الراقية المرفهة - ذا نشاط مرتفع، ولا ندري مدى تكرار فشلهم في الحصول على متطلباتهم السنوية من الطاقة، ولكن جالينوس وجارنسي يقدمان دليلا وجيها على تكرار حالات النقص، ولكن ينبغي عدم المبالغة بخصوص هذا الدليل. يروي فوكسهول وفوربز (1982: 66) دراسة ترقى إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية تتناول الريفيين في كريت، وأثبتت أن النظام الغذائي العادي لديهم كان يتألف من الزيتون والحبوب والبقوليات، والنباتات البرية والأعشاب والفواكه، وكمية قليلة من لحم الماعز وحليب الماعز والطيور والأسماك. ولم يكن هذا النظام الغذائي يختلف عن غذاء معظم السكان القدماء، وكان يوفر نحو 2550 سعرا حراريا يوميا، وكانت كمية السعرات الحرارية المطلوبة في القرى تفوق كمية السعرات الحرارية المطلوبة في المدن بسبب طبيعة الأعمال الأصعب التي يمارسها المزارعون. وكان الأغنياء أيضا يأكلون كميات لحوم ومنتجات حليب أكبر من نظرائهم الفقراء. واكتشف الباحثان أن مستويات الطاقة هذه كافية، دون وجود أي دليل على ظهور سوء التغذية. ونجد أن الدراسة التي تتناول كريت من تأليف أولبو (1953)، والدراسات المعنية بالتراث العرقي في أرغوليد - وهي التي اعتمدت عليها دراسة فوكسهول وفوربز - تقدم معلومات مقارنة قيمة عن العالم القديم.
ولا بد أن نأخذ في الحسبان أنه بالرغم من أن الحبوب ربما كثيرا ما تبدو خالية من النكهة وغير مستساغة - وخصوصا عند طهيها على هيئة عصيدة، وهي معلومة يكثر وجودها في المصادر القديمة - هناك الكثير من طرق التحضير المتنوعة. ويعلق جالينوس على ذلك، وعلى النكهات التي من الممكن إضافتها. ومن الممكن أن نقارن - من موقعنا في العالم الحديث - الاختلافات بين القمح في هيئة خبز وبيتزا، وفي هيئة كعكات، وفي هيئة مكرونة وقمح مجروش وبرغل وسيمولينا (راجع ديفيدسون 1999: 843، وموسوعة «لاروس جاسترونوميك» 1293-1294). ويبدو أن أنواع العصيدة القديمة غير مستساغة، وهي ربما تشبه البولينتا الإيطالية، إلا إنها مصنوعة من القمح أو الشعير وليس من الذرة؛ إذ لم تكن الذرة متوافرة في العصور القديمة.
كان توفير الحبوب من بين الواجبات الأساسية الواقعة على عاتق السلطات في كثير من المدن، وكان عدم اضطلاع السلطات بهذا الواجب كفيلا بأن يتسبب في وقوع فوضى أهلية. وثمة تاريخ طويل لتصدير شحنات القمح من المناطق المعروفة بالتصدير بكميات كبيرة إلى روما وغيرها من المدن المهمة، وثمة تاريخ طويل حقا لانتقال الحبوب إلى الاتجاهين، حين كان التجار يسدون مختلف أنماط العجز بحسب الأحوال الزراعية والمناخية (براوند 1995 عن البحر الأسود في القرن الرابع، وجارنسي 1988، وريكمان 1971). وكان توصيل إمدادات الحبوب من المهام التي كان فاعلو الخير على استعداد لأدائها، لمصلحة المواطنين ولمصلحتهم أيضا. وكان من المهم أيضا ضمان مساندة فاعلي الخير من القوى العلوية، كما تشهد احتفالات ديميتر/سيريس وبيرسيفوني/بروسيربينا في الكثير من أنحاء العالم القديم، وفي تكريس باكورة الحصاد إلى هاتين الإلهتين، كما ناقشنا في الفصل الثالث. وجاء هذا الاحتياج اليومي من الحبوب والبقوليات في النصوص الطبية؛ إذ يبدأ بهذا الموضوع كتاب «الحمية» 2 من تأليف أبقراط وكتاب «عن قوى الأطعمة» من تأليف جالينوس، ويخصص كل من الكتابين حيزا كبيرا لهذا الموضوع. وعموما يبدو أن تصنيع الحبوب شهد تطورا تدريجيا؛ ومن ثم ازداد انتشار أصناف جديدة من القمح - على سبيل المثال - إبان الحقبة التي هي قيد البحث. يناقش سالاريس (1991) انتشار الخبز والقمح اليابس، ونشأة المخابز التجارية في المدن الكبرى مثل أثينا وروما (بلينوس 18، 107 وكورتيس 2001: 367)، وظهور تطورات في وسائل الطحن، كما تشهد مدينة بومبي بجلاء. ونعرف الكثير عن طحن الحبوب في المنازل وعلى المستوى التجاري (راجع مثلا سباركس 1962، وكورتيس 2001). وكانت مهمة الطحن الشاقة تتولاها غالبا النساء (ويلكنز 2000)، وكان يتولى تلك المهمة أيضا العبيد، إذا أمكن ذلك.
شكل 4-1: نساء يطحن الحبوب بالهاون. يستبق هذا الرسم الظاهر على مزهرية من بيوتيا المشاهد اليومية للنساء وهن يطحن الحبوب في الكثير من البلدان الحديثة. كان ذلك العمل شاقا، وعادة ما كانت تنجزه النساء أو ينجزه العبيد في حالة القدرة على تحمل تكلفة شرائهم. وكانت تستخدم أيضا مطاحن يدوية صغيرة الحجم (راجع سباركس 1962)، وكذلك كانت تستخدم الطواحين التجارية التي تشغلها الحيوانات، وكان النوع الأخير بالتحديد مستخدما في العصر الروماني. وكان دعاة الوعظ الأخلاقي يرون ضرورة تحضير الطعام في البيت. (حصلنا على نسخة من الصورة بإذن من المتاحف الحكومية في برلين.)
ربما يبدو أن ثمة فارقا بين اليونان بصفتها منتجة للشعير وعصيدة الشعير أو «المازا»، وبين إيطاليا بصفتها منتجة أولا لعصيدة القمح الثنائي الحبة ثم للخبز وأنواع القمح الصلب. وكانت أراضي إيطاليا الأكثر خصوبة تنتج النوع الأفضل من الحبوب، ويرى معظم المؤلفين القدماء أنها أفضل من نواح شتى. لكن، ينبغي إضافة عدة تعديلات مهمة إلى هذه الصورة؛ فلا شك أن القمح من الحبوب الممتازة في كل البلدان المنتمية إلى الحضارة الإغريقية الرومانية ككل؛ لأن مادة الجلوتين الموجودة في القمح بطبيعة الحال تساعد في صنع الخبز، وذلك لقدرتها على حبس الغاز الناتج عن كائنات الخميرة. أما الشعير، فهو على العكس من القمح من الحبوب التي تحقق نجاحا محدودا عند استعمالها في صناعة الخبز، وهو مناسب أكثر لصناعة كعكات الشعير وأنواع الخبز غير المختمر (راجع للاستزادة براون 1995)، وبالتحديد النوع الذي يعرف باللغة اليونانية ب «مازا». ويقدم فوكسهول وفوربز (1982) معلومات مفيدة للغاية عن خصائص الشعير. ولم تكن كفة القمح ترجح دائما أمام الشعير، وذلك كما يوضح أثينايوس (الشذرة 5، سبق أن استشهدنا بها في الفصل الثاني)، ولكنها عادة ما كانت ترجح. يذكر جالينوس أن الجيش الروماني لم يكن يفضل الشعير؛ إذ كان يعتقد أنه يمنح الجسم قدرا أقل من الطاقة. (من الأمثلة التي تأتي على النقيض من ذلك الاعتقاد تقديم الشعير للمجدفين الأثينيين المكلفين بمهمة طارئة من ميناء بيريوس إلى مدينة ميتيليني في جزيرة ليسبوس. ويبدو أن الشعير يلبي احتياجات الطاقة المرتفعة التي تتطلبها الرحلة، وذلك بحسب ما يرويه المؤرخ الإغريقي الشهير ثيوسيديديس (3، 49). وكان الرجال يأكلون وهم يجدفون، وكان الطعام عبارة عن مزيج مصنوع من دقيق الشعير والعسل والزيت.)
ونجد أن البحث الذي ألفه جالينوس عن الطعام مفيد للغاية في هذا الشأن؛ إذ يشمل مجموعة كبيرة من الحبوب ويحدد مواقعها على رقعة اجتماعية وجغرافية شاسعة. وهكذا يبدو أن الحبوب السائدة في موطنه الأصلي - في ميسيا في غربي آسيا الصغرى - هي نوع بدائي من القمح، بينما الحبوب السائدة في أماكن أخرى هي الدخن أو الشوفان، وفي تراقيا هي الجاودار. وعلى عكس مؤلفين مثل أركستراتوس وأثينايوس، كان جالينوس مهتما بالنظام الغذائي للسواد الأعظم من السكان، وذكر الحبوب التي كان يأكلها الريفيون عادة، وعلق على أشكال تصنيع الحبوب وطهيها، وأيضا على الحبوب التي ربما يلجئون إليها في أوقات الشدة. والدليل الذي يقدمه جالينوس مفيد لمرجعيته الاجتماعية الشاملة، ويفيدنا ذلك الدليل أيضا في النظر إلى الحبوب في إطار أكبر، يشمل الدين ومكانة البشر في عالم الطبيعة (راجع بودي 1995 عن الأسرار الشعائرية في إلفسينا؛ وراجع الفصل الثالث فيما سبق، عن احتفال ثيسموفوريا وأوجه الربط بين خصوبة الأرض الزراعية والخصوبة لدى البشر).
وكانت الحبوب - شأنها شأن اللحوم - مرتبطة بالنظام الديني والاجتماعي، وكانت مساندة الآلهة ضرورية لضمان الحصول على حصاد مقبول ومناسب، وفي معظم المجتمعات كان النظام الهرمي للحبوب الذي شرحه جالينوس يتبع بصفة عامة النظام الهرمي البشري القائم على الثراء والمكانة الاجتماعية. كان أكل الحبوب من الأنشطة الأساسية التي تميز الشعوب المتحضرة - كان مصطلح «الحياة المطحونة» مصطلحا باللغة اليونانية يقصد به النظام المتحضر - وكان كل العمل الشاق اللازم لتحضير الحبوب وطحنها تؤديه غالبا النساء أو العبيد. وكانت طقوس الزواج تعزز من الصلة التي تربط بين تصنيع الحبوب والعمل الموكل إلى المرأة؛ ففي اليونان، كان المشرع فيما يبدو يمنح أي عروس مجففا للشعير (راجع براون 1995: 27)؛ وفي روما، كانت مراسم احتفال «كونفارياتيو» تجمع بين تقديم قربان من الخبز وعقد القران (جارنسي 1999)؛ وفي مقدونيا، كان العريس والعروس يقتسمان رغيف خبز بالتساوي.
وكثيرا ما كانت المكانة الاجتماعية من الأمور المهمة؛ فالمواطن الغني الذي كان يتاح له السفر والمقارنة بين مدينته وغيرها من المدن قد يفضل نوع خبز مستوردا من مكان بعيد، وكثيرا ما لاحظ البعض (من بينهم مثلا جودي 1982) أن أثينايوس يذكر نحو 74 نوعا من الخبز. يعبر أثينايوس عن وجهة النظر التي تجمع كل الأجناس، مما يمكنه من استكشاف الإمبراطورية بأكملها بحثا عن أفضل منتج من أي فئة. وبالنظر إلى اتساع رقعة المشهد الذي خصه أثينايوس ببحثه، نجد بالطبع أن الرقم 74 رقم ضئيل قياسا بمنطقة تمتد من إسبانيا إلى إيران، ومن روسيا إلى شمال إفريقيا. كان هناك بلا شك قدر كبير من التفاوت المحلي (إما من حيث الأسلوب وإما من حيث المصطلحات)، لم يظهر في المراكز ذات الطابع الذي يجمع كل الأجناس، ولكن المصادر التي نعتمد عليها تطلعنا على مجموعة لا بأس بها من أنواع الخبز والكعكات تتنوع من حيث الخبازين المتخصصين والأساليب والمنطقة والمصطلحات؛ ومن ثم، يمكن مقارنة أنواع الخبز الإغريقية بأنواع الخبز الرومانية، ومقارنة أنواع الخبز الإفريقية بأنواع الخبز الفرنسية. وكان شراء الخبز بدلا من صناعته في المنزل من علامات المكانة الاجتماعية الرفيعة، وسنرى تعليقات أفلاطون وليفي بخصوص مثل تلك التطورات «المترفة» في الفصل السابع. وفي حالة صنع الخبز في المنزل، كان يستأجر خباز متخصص. ويذكر كل من هيبولوكوس وأثينايوس تفوق خبازي منطقة كابادوكيا، ويذكر جالينوس قمح كابادوكيا (دالبي 2003: 74). وفكرة المكانة الاجتماعية مهمة مهما كانت المهارات «الحقيقية» التي يتمتع بها أهالي كابادوكيا بخصوص استعمال الدقيق.
ومع ذلك، نجد أن الجغرافيا والمناخ من العناصر المهمة بالدرجة نفسها؛ فقد يزيد الطلب في أحد الأسواق على القمح، وقد تتمكن مدينة مثل روما من توفير المؤن في معظم أسوأ مواسم الحصاد نظرا لهيمنتها على وسائل التموين على مستوى منطقة شاسعة تمتد من شمال أفريقيا إلى البحر الأسود. ولكن، كانت ثمة حبوب أخرى تفيد في وقاية الكثيرين من شر الجوع على نحو أفضل، وهذه الحبوب قد تكون من الأنواع المحلية ، مثل تلك الأنواع التي استعرضها جالينوس. كما كان يستخدم مزيج من الحبوب أو مزيج يجمع بين الحبوب وأنواع الفول. ويذكر كامبوريزي (1993: 100-101) أنه في إيطاليا قبل القرن العشرين كان الخبز الأبيض حكرا على الأغنياء وسكان المدن، أما عمال الحقول والحرفيون فكانوا يأكلون الخبز الأسمر وأردأ أنواع الخبز المصنوع من الردة فقط. كان من الممكن خلط دقيق القمح ودقيق البقوليات لصناعة خبز ريفي لذيذ، وكان من الممكن استخدام الشعير عند نفاد القمح، وكانت تستخدم حبوب البيقة والشوفان والسرغوم والجاودار مع حبوب متنوعة وحبوب الدخن. ويشترك الملخص الذي قدمه كامبوريزي عن الحبوب المستخدمة في إيطاليا في الكثير من السمات مع المجموعة التي قدمها جالينوس عن آسيا الصغرى والبحر الأسود.
Página desconocida