Me convertí en un dios después de las nueve
وصرت إلها بعد التاسعة
Géneros
كانت تلتفت كل حين لتمنحني ابتسامة دلال، تذكرت أول يوم لي في هذا البيت وكنت و«عم رمضان» نقوم بتوزيع ما حملته معي من قطع أثاث في نهار يوم حار من أيام أغسطس، وكان الشباك مفتوحا وجميع شبابيك الشقة المقابلة مفتوحة، ولمحت امرأة مكتملة النضج، وأقصد النضج الأنثوي، كانت ترتدي قميص بيت عاري الصدر والظهر، وقصيرا، وضيقا، ولامعا، وأحمر، وكانت بداخله تشبه التينة الغضة الناصعة البياض، كان شعرها ثقيلا وكالح السواد، تشبه أو تحاول أن تشبه «هنومة» في باب الحديد؛ الأنثى التي لم تستوقفها المدنية ولا تعرف عن أنوثتها سوى إظهار مفاتن جسدها المرمري، لم تكن رفيعة ولا ممتلئة، كانت يونانية القوام مكتملة التفاصيل دون إسراف، منذ اللحظة الأولى امتدت الجسور بيننا، ربما شعرت بنظرة التفحص الأولى وأعجبتها النظرة وصاحبها كما أعجبته، حتى «عم رمضان»، وكانت بداية علاقتي به والتي حاول جاهدا فرض سيطرته بها، لاحظ تلك الجسور الممتدة بين الشباكين فقال لي وقتها: «لا يا باش امنهدز؛ دي الست «توحة» جارتنا، والبيوت أسرار يا بيه.» ولما سألته عما يعنيه تهرب مني، فشعرت أنه فقط يستعرض عضلاته، ومنذ ذلك اليوم ونحن نتبادل النظرات والابتسامات، وتمارس هي كل فنون الإغواء عن بعد، فتفتح كل النوافذ وتمسح بلاط شقتها نصف عارية، أو تبدأ في تغيير ملابسها والنافذة مفتوحة، وتدعي أنها انتبهت فتأتي شبه عارية لتغلقها بإغواء يفوق الآفاق، وتمنحني ابتسامتها ونصف الغمزة، أعتقد أنها تستمتع بمراقبتي لها وبلعبي الكرة مع زيزو وفض اشتباكاته مع أبناء الشارع كلما صادفته.
اقتربت من النافذة المقابلة لي ووقفت بمواجهتي ودفعت بالشيش لتفتحه على مصراعيه، لم أشعر أنها تقوم بما اعتدنا عليه دوما، شعرت أنها تريد المواجهة ففتحت الشيش على مصراعيه بدوري، ورجعت خطوتين للخلف كي لا يراني سواها، وأشعلت سيجارة محدقا فيها وكوب الشاي بيدي، كنا نشبه صنايعي في ورشة يوم القبض يغازل بنتا في دبلوم التجارة أثناء مرورها بالورشة التي يعمل بها، ابتسمت حين نظرت لملابسي لأتأكد أنني لا أرتدي قميصا من المربعات الصغيرة، ولست مشمرا عن ذراعي فاتحا أزرار القميص لأريها شعرات صدري الكثيفة، لا أدري لم شعرت أنها انتابها نفس الشعور، ولأول مرة منذ عرفتها بدأت في الإشارات.
أخذت تشير على يدها مكان الساعة، ثم تشير بسبابتها بحركة نصف دائرية، ثم تشير بسبابة على نصف السبابة الأخرى، ثم تشير للشارع، حاولت لعب دور من لم يفهم فرمقتني بحدة، وأعادت تأكيد الموعد في الشارع بعد نصف ساعة، وتظاهرت بالسعادة والموافقة، لم أتظاهر في الواقع بل كنت فعلا سعيدا بهذا الموعد وغرابته؛ فأخيرا قد أتمكن من معرفة رائحة شعر «نواعم».
ابتسمت مرة أخرى وأغلقت النافذة، أغلقت نافذتي بدوري، ونظرت في الساعة، وجلست على السرير أنفث الدخان لأعلى في الهواء مراقبا تشتت خيوطه، تحولت جلستي للتمدد وأطفأت السيجارة، بل ألقيتها في كوب الشاي الفارغ، وشبكت يدي خلف رأسي مستندا على ظهر السرير ومحدقا في سقف الغرفة، وأكاد أكون اخترقته فلم أعد أراه.
انتبهت على صوت جلبة عالية في الشارع، فقمت مفزوعا، وكأنه يوم الفزع بالنسبة لي، نظرت للساعة أثناء ذهابي للشرفة، فوجدت أنني تأخرت بالفعل عن الموعد ربع ساعة، فتحت الشرفة بسرعة لأجد «توتي» قد تحولت «لفتحية» وهي تصرخ في رجل يشبه المجذوب بالشارع، وأغلب الجيران يحاولون تهدئتها وهي تستحلفه وتتوعده صارخة ومكررة: «وديني لاعرفك مقامك ...» لا أعرف لماذا شعرت أنها توجه صريخها لي، وانفلتت من وسط الزحام مكررة جملتها التهديدية، واختفت بسرعة داخل عمارتها.
وبدأت الناس تنفض، والمجذوب يقف مذهولا مثلي تماما، فقد عرفت أني قد ضيعت فرصة ذهبية للاقتراب منها، لم يستمر ذهولي كثيرا؛ فقد خرجت «فتحية» من شرفتها، وهي تكرر نفس الجملة ولكن تلك المرة لي، وعيناها في عيني، وبيدها أنبوبة غاز صغيرة من التي تستعمل في تشغيل المصباح الغازي (الكلوب)، ورفعت يديها بالأنبوبة، وكدت أصرخ من جنونها، فستحدث انفجارا في الشارع، وقد تقتل الرجل، رفعت يدي في الهواء في محاولة لا شعورية لإيقافها، لكنها كانت أسرع من حركتي اللاشعورية وألقتها.
تابعت الأنبوبة بعيني لكنها لم تكن موجهة ناحية الرجل، فحمدت الله، فسوف تسقط في الشارع مدوية وينتهي الأمر، ثم فزعت؛ فقد كانت موجهة لسيارتي الصغيرة، حطمت الزجاج وانفجرت داخل السيارة، وأنا رافع حاجبي للسماء من الذهول، والتفت إليها بكل الذهول والغضب، فتلاقت أعيننا، واستشاط غضبي حين رأيت نظرة النشوة في عينيها، نشوة المنتصر، وهي تحاول إخفاء ابتسامتها صارخة: «يا لهوي!» وهرعت مفزوعة من الشرفة.
لم أتبين ما ارتديته، سحبت هاتفي، ومفاتيح السيارة، نزلت قافزا بين السلالم، وخرجت للشارع، وكانت السيارة بين العمارتين، خرجت هي في اللحظة نفسها، والجيران يحاولون إطفاء الصالون المشتعل، والأستاذ «منير» يصيح بهم أن يبتعدوا ممسكا بطفاية الحريق الخاصة بسيارته، محاولا فتحها أثناء صريخه، وفتحها ورش تقريبا كل المجتمعين حول السيارة حتى وصل إليها، وأخمد نيرانها لكنه لم يتمكن من إخماد نيراني.
وصلت معها للسيارة، الجميع يحاول تهدئتي، وهي تحولت من قمة الغضب والتوعد لقمة التوسل والاعتذار، وأنا ما زلت مذهولا من فعلتها، أصرت أن تذهب معي لتغيير الزجاج، وإصلاح صالون السيارة، وأنا كنت أريد الابتعاد عن الزحام بأي شكل وسط العبارات المهدئة لي، واللائمة لها، وبدا علي الانصياع لرغبتها تحت ضغط الجمع الغفير، نظرت للأستاذ «منير» شاكرا دون أن أنطق، وفتحت السيارة وجلست وجلست هي بجواري، وانطلقت دون أن أنطق أيضا.
خرجت من الشارع، وصلت للمترو وانحرفت يمينا، ولم ينطق أي منا حتى وصلت لجوار سينما نورماندي، وبازليك الكوربة في مواجهتي، لم أنطق أنا بل ازداد ذهولي حين وضعت يدها على يدي فوق عصا السرعات، فنظرت إليها فوجدتها تنظر إلي مائلة بجسدها حتى كدت أسمع دقات قلبها، وسمعت صوتا عذبا، يختلف عن الصريخ المعتاد في الأطفال، وفي «عم رمضان»، وفي المجذوب، لا أعرف إن كانت تهمس، أم تتأوه قائلة: «حقك عليا، ماتزعلش مني، لما ماجيتش خفت ماتجيش، وكنت ممكن أولع في الشارع كله عشان أقابلك النهارده.»
Página desconocida