Me convertí en un dios después de las nueve
وصرت إلها بعد التاسعة
Géneros
وصلنا دون تبادل أية إشارات لمنتصف بهو رمسيس الثاني، فكانت هناك كنيسة بطلمية يسار البهو، ويعلوها مسجد الحجاج بمئذنته التي تشبه المبخرة، والتي تميز العصر الأيوبي، وكأنه مجمع للأديان الوثنية والسماوية في صورة معمارية مشوهة إلى حد كبير، «لماذا لا يتم نقل مسجد الحجاج والكنيسة من المعبد، سيد كمال؟» سألته بتعجب وأجاب وكأنه يتوقع السؤال: «لم يكن من المناسب وقتها نقله سيدي.» لم أحاول أن أعرف ماذا يقصد «بوقتها»؛ فقد قررت ألا أفسد متعتي بالسير بمحور معبد الأقصر الرئيسي متجاهلا أساطين رمسيس الثاني التي تعد من أقبح النسب المعمارية في تاريخ مصر القديمة لأعبر أعمدة أمنحتب الثالث، ونصل للبهو الثاني للمعبد والمعروف بقاعة الشمس، وتغازل عيني أروع ما رأيت من أعمدة مصرية قديمة؛ تلك التي بناها تحتمس الثالث وحتشبسوت، أعمدة اللوتس المقفلة والمفتوحة وهي تقابل أعمدة البردي دليل وحدة الشمال والجنوب، لم يبق كثير في المعبد؛ فالتالي هو مذبح الإسكندر الأكبر، وقاعة الميلاد لأمنحتب الثالث، وقاعة التتويج ثم قدس الأقداس.
هبت رياح باردة من قلب المعبد، تحولت لنسمات صحوة، وانسحبت بهدوء، لكنها لم تنسحب بمفردها؛ فقد سحبت معها البعض من ألفتي بالمكان، وتركت خلفها الكثير من التوتر والخوف، عادت كل مخاوفي لتحاصرني مرة أخرى، فهل حقا صدقت ما يحدث؟ هل تصورت بأنني رئيس مصر؟ بالطبع سيأخذني الآن لأحد المعتقلات السرية، راجعت ما حدث بقصر عابدين، إنها كانت خطة للخروج من القصر دون مقاومة، وحتما سينتهي الأمر قريبا بالتخلص مني، لم أعد أقوى على السير، بالطبع هو في قمة سعادته الآن وأنا أسير بكل هذا الزهو لمقصلة إعدامي، أو ربما لا يعنيه الأمر بأكثر من مكافأة سيحصل عليها من الرئيس الحقيقي فور التخلص مني، شعرت بأنني مجرد شحنة يتم التخلص منها.
تخطينا بهو «تحتمس الثالث» واقتربنا من قاعة الميلاد، فأشار «الراعي» لأحد مساعديه فأعطاه عصا معدنية، وتوقفنا جميعا بجوار مدخل القاعة، ليدق الراعي دقات متتابعة بتلك العصا لينفرج الجدار عن باب سري يليه أحدور شبه مظلم يليه إضاءة ساطعة، وأشار لي بالدخول، حاولت إخفاء ذعري، حاولت ابتكار جملة ساخرة، لكنني لم أستطع إلا الدخول، لينغلق الباب من خلفنا، كان الأحدور لا يزيد عن المترين، ولا أعرف كيف نزلته، أو كم من الوقت استغرقت حتى غمرني الضوء بعدها.
كانت الغرفة صغيرة، جدرانها مكسوة برقائق معدنية تعكس الإضاءة، وكانت التجهيزات بداخلها تشبه ما اعتدت رؤيته في أفلام الخيال العلمي، وكأننا انتقلنا من معبد الأقصر إلى قاعدة فضائية بكوكب المريخ، كانت للغرفة ثلاثة فتحات تفضي لحجرات مجاورة، في كل جدار فتحة، والجدار الرابع كان الأحدور الذي هبط بنا للغرفة، لم تعد الإضاءة مبهرة، واستطعت تبين بعض ملامح الحجرات الملحقة، كانت هناك حجرتان مكسوتان بالرقائق المعدنية وبها حركة كثيفة، أما الثالثة بالجدار الأيمن فكانت حجرية وبإضاءة خافتة، تخيلتها غرفة التعذيب.
أشار لي «الراعي» بأن أتقدم للغرفة المواجهة للأحدور، ولأنني لم يعد لدي ما أخسره دلفت للحجرة التي لا تختلف عن الأولى كثيرا، إلا أن جدارها الأيمن كان مصمتا بلا فتحات، وكانت أكبر حجما أيضا، كان هناك منضدة بيضاوية في منتصف الحجرة، وفي كل ركن صالون صغير الحجم، أشار لي بالجلوس، فجلست وظهري للحائط المصمت، متوقعا أن يخلع ساعته ويفك رباط عنقه ثم يبدأ في التعذيب، أو ربما سيحاول نزع الاعترافات مني بشكل ودي في البداية، لم يقطع ترقبي سوى دقات كعب حذاء نسائي تتحرك برشاقة، فتوجهت بنظري بشكل تلقائي ناحية الصوت، وكان عطرها يسبقها، عطر بري يشبه رائحة الغابات الممطرة، فازداد ترقبي لصاحبة الخطوة الرشيقة والعطر البري، لكنها لم تأت، بل استأذن «كمال الراعي» وغادر للحجرة التي هبت منها رائحة الغابات، وتوقفت كل الأصوات ولم يبق لي سوى الانتظار لمصير لا أعرفه، ورائحة تزيدني تشبثا بالحياة.
كان من المهم تذكر «الحياة»؛ فربما أفارقها قريبا، تخيلت عناوين الصحف، والتي حتما ستتحدث عن القبض على تنظيم «إرهابي» يحاول قلب نظام الحكم. بقدر مأساوية الموقف، رأيته مشهدا ساخرا، لقطات سريعة من حياتي، أصدقائي، حاولت تثبيت الصورة قليلا عند «توحة»، وجنونها العفوي، ابتسمت حين تذكرتها تلقي بأنبوبة الغاز على سيارتي، لم أتمالك نفسي، فابتسمت قائلا لنفسي: «هو كان يوم أسود من أوله.» وكعادة «الراعي» قطع حبل الذكريات مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن بمفرده.
كان بصحبته سيدة رائعة الجمال تتناسب مع روعة معبد الأقصر، نسيت كل شيء بمجرد رؤيتها، وتمنيت لوهلة أن يكون عقابي البقاء بصحبتها للأبد، أعتقد أن الأمنية استغرقت أكثر بكثير من «الوهلة»، كانت أميرة من الدولة الحديثة بثياب عصرية، عظامها طويلة، حادة الملامح، واسعة العينين، قصيرة الشعر المنسدل كشعر الملكات المستعار في مصر القديمة، وبنظرة سريعة على أردافها البيضاوية المشدودة تأكدت أن أصولها مصرية خالصة، لم تكن سمراء بل كانت ذهبية، نعم ذهبية.
قدمها «الراعي» لي «نرمين خليل قمر» سفيرة مصر في كندا، وكانت تعمل أصلا في المراسم، وبأنها ستساعدني في كل ما يتعلق بالتقاليد الرئاسية، مرة أخرى يلقيني في بئر التخبط، وما زلت أنا غير مقتنع بالفكرة برمتها. - لماذا أحتاج لتعلم التقاليد الرئاسية؟ - من المفترض أنك ستكون الرئيس. - سأكون؟ (ابتسم «الراعي».) - لقد قمت بالدور الأكبر بالفعل، لكن رئاسة دولة كمصر ليست نزهة نيلية، سيدي؛ فهناك العديد من العلاقات داخل المؤسسة يجب التعامل معها بتقاليد متبعة، وإلا تسقط المؤسسة ككل. - هل أنا رهن الاعتقال؟ هل يمكنني فقط الذهاب؟ - يؤسفني القول إنه لا يمكن السماح بذهابك الآن، ببساطة يجب معرفة كيفية إدارة العلاقات بين المؤسسات المفصلية في الدولة، نحن لا نريد رئيسا يدير الدولة ارتجالا. - وإذا فشلت في تعلم ما تريد مني تعلمه؟ - يؤسفني أيضا حينذاك أنني سأضطر للإعلان عن محاولة فاشلة للإطاحة بنظام الحكم في مصر، ووفاة القائمين بها إثر مقاومة رجال الحرس الجمهوري. - فهمت.
عرفت وقتها أنني قد انتهيت بالفعل؛ فالفرصة الوحيدة لخروجي من هنا حيا هي إعلان وفاة «محمد أحمد» ومولد «محمد الكيال»؛ فرصة واحدة باقية، لا تتعدى بضع خطوات تكفي للانتقال من قاعة الميلاد لقاعة التتويج، لم يساعدني كثيرا وجود تلك الحورية المصرية في تخطي ما أشعر به، لم أفهم حقا شعوري وقتها، لكنني كنت واثقا بأنه ليس شعورا جيدا.
تحول «كمال الراعي» من ادعاء تملق الرئيس لوظيفته الأم، رئاسة جهاز المخابرات، وطلب مني الخروج بصحبته من تلك الغرفة فتبعته وخلفي السيدة «نيرمين»، وانتقلنا من غرفة لغرفة وشعرت بأننا ندور في دوائر، وكانت كلها حجرات مربعة حجرية، حتى وقفنا أمام جدار مصمت، فاستعمل إحدى خدعه السحرية بوضع يده على الجدار، فانفرج عن فتحة سرية، لم أشعر بفرق كبير بين جهاز كالمخابرات العامة وبين كهنة آمون منذ أكثر من أربعة وثلاثين قرنا من الزمان.
Página desconocida