Me convertí en un dios después de las nueve
وصرت إلها بعد التاسعة
Géneros
استأذن «عصام» أن يقوم بدورة في مكان خدمته للاطمئنان على استتباب الأمن على أن يعود إلي سريعا، فابتسمت واعدا بانتظاره، انكمشت بردا ملتفا حولي و«عصام» يبتعد.
اتصلت مرة أخرى بالحاج إبراهيم وأخبرته بمكان انتظاري، وطلبت منه أن يتصل بي السائق لأتابعه، تحسنت حالتي كثيرا، وشعرت بالبرد أكثر، فكنت أتحدث بالهاتف وأنا أتحرك بخطوة رياضية ممدودة، متابعا مجموعة من المحال التجارية المتنوعة جيئا وذهابا، مستمتعا بهوايتي في تسوق النوافذ.
قمت بمجموعة من الاتصالات لفريق العمل بالكامل، وتوقفت أمام نافذة لمتجر ملابس، ولمعت في رأسي فكرة شراء جاكت يقيني من البرد، ويستر قميصي المقلم قليلا ، لم أتردد كثيرا دخلت وعيني على جاكت من الجلد المقلوب بلون وبر الجمل، وجذبت معه كوفية من الكشمير الخفيف بلون يختلف فيه الأئمة من الزيتوني المطيف بسحابة زرقاء، قمت بقياس ما اخترته ولم أخلعه بل أعطيت البائع بطاقة ائتمانية، فخصم حسابه ووقعت له على الإيصال، وانصرفت في دهشة من البائع دفعته للخروج خلفي ومراقبتي وأنا أتحرك مرة أخرى ناحية السيارة.
كان «عصام» بانتظاري وبيده كوبان من الشاي المغلي قدم أحدهما لي، شكرته بحرارة؛ فهذا ما كنت فعلا أحتاجه، بدأت في الحديث مع عصام في أمور عامة، وسألته عن أحوال الدنيا، وبدأ عصام وكأنه ينتظر أي فرصة ليشكو أحوال الكون، فجميع الأحوال متردية، والراتب لا يكفي، ولولا «ولاد الحلال» و«الحسنات» التي يرزقه الله بها من هنا ومن هناك لكان مات جوعا من زمن، والضباط لا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تحل بأحد، وكثير منهم يقاسمه «الرزق» الذي يتحصل عليه، وأنه يتمنى لو يتم نقله للمباحث؛ فبرغم أن العمل أكثر فإن الرزق أيضا أكثر وأكثر، كنت أبتسم من وقت لآخر متظاهرا بالتعجب تارة، وبالتأثر تارة أخرى، لكن في الحقيقة شعرت بالأسى لا لحال «عصام» بل لحال البلاد؛ فكيف أطلب ممن هو مثل «عصام» أن يوفر لي الأمان الذي يفتقده هو تماما، ليتحول زيه الرسمي بكل الهيبة النظامية «لعدة الشغل» التي يسترزق منها، فلا فرق فعليا بينه وبين أي مواطن يتحايل على الظروف ليلتقط فتات الرزق من هنا أو من هناك.
اتصل السائق «أبو ميار» ليخبرني أنه اقترب من منزل المعادي فأخبرته أن ينزل في اتجاه التحرير، وما هي إلا لحظات وهبطت سيارة نقل من الشاسيه الطويل بيضاء اللون، مكدسة بالمناظر الخشبية الملونة، دبابات ومدرعات ومدافع، كانت مصنوعة بمهارة، تخيلتها في موقع التصوير وأنا أراجع الإضاءة، بحيث تظهر مجسمة وطبيعية كالأبقار في فيلم الراقص مع الذئاب، وابتسمت ببعض الإطراء على نفسي «يعني هو كيفن كوستنر أجدع مننا في الإنتاج في إيه!» هكذا حدثت نفسي وأنا أتفحص المناظر، حييت «أبو ميار» وركبت السيارة وبجواري عصام الذي وضع كوبي الشاي على حافة الرصيف معللا أن صاحبهما سيجدهما، وانطلقنا في اتجاه ميدان التحرير.
أعطيت عصام التصريح وورقة بخمسين جنيها ليتعامل مع أي معوقات أمنية في الطريق. - إنت بتشتمني كده يا باشمهندس. - العفو يا عم عصام، هو فيه فرق بينا؟ بس عشان لو حد سخف تتصرف على طول. - لا معلش خلي الفلوس معاك ولما ماعرفش اتصرف هابقى اقولك.
ورفض تماما أن يأخذ النقود، ووضعها في منفضة الدخان وأغلقها عليها ومنتصفها في الخارج، كنت أعرف قدر حاجته للنقود لكنه أحرجني برفضه الحاد الغير قابل للتفاوض، فاعتذرت له بلطف مرة أخرى، وتولى «عصام» أعمال الملاحة فأمرنا بالانحراف في تفريعات جانبية وصولا لشارع قصر العيني، وعند إشارة مجلس الشعب بدأت المضايقات، فأوقف الركب رائد شرطة، فقفز «عصام» من السيارة وطلب مني عدم التحرك، وذهب للتحدث مع الضابط، وتصورت ما يقوله وهو عائد مبتسما بزهوة النصر، وركب جواري ثانية. - خيرا؟ (سألته مبتسما.) - خير إن شاء الله يا باشمهندس، الباشا بس هايطلع معانا بوكس، وهاييجي يوصيك على خدمة عند إسماعيل باشا - حكمدار المرور - هو فاهم إنك قريبه، الموضوع دا يهمه شخصيا.
رفعت حاجبي بتعجب ولم أنطق حتى رأيت الضابط يقترب مبتسما، فأظهرت الجدية الممزوجة بالغضب، فمد يده مصافحا: مساء الخير يا باشمهندس، ثواني بس هاطلع معاك عربية عشان التأمين لحد عابدين، وهاتفضل معاكم لحد ما ترجعوا إن شاء الله. - ربنا يخليك، أنا شاكر ذوقك الحقيقة، بس مش عايز أسبب أي إزعاج. - لا يا باشمهندس العفو، دا خط إسماعيل بيه أوامر، هو قريبك؟ - إسماعيل بيه ولا خطه؟ (ضاحكا.) - (ضحك بدوره) لينا عندك خدمة يا باشمهندس بس لما تخلص شغلك بالسلامة، أنا الرائد «عمر عبد السلام». - مهندس محمد أحمد، أهلا بحضرتك، ما تيجي تحضر التصوير معانا طيب، هاتنبسط جدا (وكأنه كان مترقبا لعرضي، تظاهر بالتفكير لأقل من ثانية واحدة، رفع جهاز اللاسلكي لفمه). - ألو عمليات، ألو عمليات، رائد عمر! - ابدأ الإشارة يا باشا (هكذا جاء الرد من الجهاز).
تحرك مبتعدا وهو يتحدث في الجهاز مشيرا لسيارتي حينا وللسيارة النقل حينا، وبدا عليه التوتر قليلا ثم تهللت أساريره وقفز بجوار السائق في سيارة الشرطة «البوكس»، ورجعت السيارة للخلف حتى أصبحت بجواري، وتعجبت من اختلاف نظرة الرائد «عمر»، فقد تبددت نظرة الود، وحلت محلها نظرة ميرية صارمة، «اديني رقمك يا باشمهندس» هكذا قال بصوت ثابت النبرة، أمليته رقم الهاتف بنبرة ثابته مماثلة، فأردف: «هارنلك، اطلبني، ولا مامعاكش رصيد ...» وضحك بصوت مرتفع وأنا مبتسم؛ فكنت أراه كمن مسه جنون العظمة بمجرد ركوبه سيارة الشرطة، وأجبته بابتسامة خبيثة: «من عينيا.» وانطلق الموكب مرة أخرى باتجاه ميدان التحرير، ولكن بترتيب مختلف: الرائد «عمر» يتصدر الموكب بصوت بوق الشرطة المميز، والأضواء الزرقاء أعلى مقصورة القيادة، يليه «أبو ميار» منتشيا، ثم سيارتي المحترقة وبها جلست أنا و«عصام» ندخن السجائر، سألته عن هذا الرائد. - دا مجنون يا باشمهندس. - مجنون ازاي يعني؟ - فاكر نفسه جيمس بندق (ضاحكا). - إنت قلت له إيه يا صايع؟
لمعت عيناه وكأنما أعجبته كلمة «صايع»: ليه بس كده يا «باشا»! مافيش والله، قلت له إني واخد التعليمات من إسماعيل بيه طوالي. - وهو كان بيكلم مين على اللاسلكي، هاتودينا في داهية يا أبو عصام! - (ضحك مقهقها متفاخرا) يا باشمهندس دا شغل رسم؛ عشان يبقى عمل واجب مع «إسماعيل» بيه، ماتشغلش نفسك يا باشمهندس، من دلوقتي الرائد «عمر» هو اللي سايق.
Página desconocida