وانقطع عن الحديث فجأة - كأنه عثر في الصمت - بسبب نظرة طويلة تبودلت بينه وبين المرأة النصف المصاحبة للعجوز، ثم رجع إلى صاحبه، وقال لنفسه: لو سارت الأمور كما يشتهي لكانت سلوى زوجة له منذ عام على الأقل، لو؟! وسأل سمير: ما رأي التصوف في حرف «لو»؟!
ولم يدرك سمير مرماه، فأجاب هو: «لو» حرف لوعة يطمح بحماقة إلى توهم القدرة على تغيير التاريخ.
فقال سمير ببساطة: من هذه الناحية فهو إنكار لإرادة الله المتجلية في التاريخ، من شأنه أن يضفي عليه عبثا ولا معقولية.
سلوى لم تتزحزح من قلبك، رغم احتقارك لشخصيتها، وقد يقرر العقل مواصفات للمرأة المثالية ولكن الحب في صميمه سلوك لا معقول، كالموت وكالقدر وكالحظ. وما أشبه سلوى بالدنيا في المعاملة، ولكنك ستظل في حاجة إلى امرأة، فهي مسكن طيب للآلام يفوق التصوف على الأرجح. وتذكر السؤال الذي قطعه، فقال بنغمة اعتذار: هب الدنيا وعدتنا مرة أخرى بالوزارة، فماذا تصنع بالتصوف؟
فضحك سمير حتى لمعت أسنانه النضيدة، وقال: غير مستعص أن أمارس الاثنين معا، هكذا فعل أحمد باشا زهران أكثر من مرة، وها أنا أجمع بين التصوف والتجارة، وهو لا يخمد النشاط، ولكنه ينقيه من الشوائب!
فقال عيسى بحزن: وهو على أي حال خير من الانتحار!
وأشرقت الشمس مقدار ثوان ثم توارت، وسأله سمير عما ينوي أن يفعل، فسأله بدوره: هل انتهينا حقا؟
فهز رأسه في حيرة قائلا: هو الأرجح ، فليس الأمر كالانقلابات الماضية.
فسكت عيسى مليا كأنما يصغي إلى الصمت الشامل، ثم قال: ما أشبهنا بساحل الإسكندرية في الخريف! - لذلك أقول لك إنه لا بد أن نعمل. - ومع أي عمل سنتخذه سنظل بلا عمل؛ لأننا بلا دور، وهذا سر إحساسنا بالنفي، كالزائدة الدودية.
ثم وهو يبتسم: ولا أخفي عليك أن لي تصوفي الذي يشاغلني في الوحدة.
Página desconocida