ومضى إلى حجرة الجلوس، فجلس إلى جانب أمه وهو يقول: أنباء خطيرة جدا!
رفعت العجوز إليه عينيها الضعيفتين، فقال: الجيش يتحدى الملك!
وهضمت المرأة الخبر بعسر شديد، ثم تساءلت: كأيام عرابي باشا؟!
آه .. كيف لم يرد هذا المعنى على ذهنه؟! حقا إنه في نهاية من الاضطراب، وتمتم: نعم، كأيام عرابي.
فسألته بقلق: وهل تقوم الحرب؟
آه .. ماذا سيقع حقا؟! ليس في القاهرة الآن شخصية واحدة يمكن الرجوع إليها لاستقاء الأنباء، وإذا كان هو لم يقم في إجازة، فما ذلك إلا لأنه أجل إجازته لحين سفره إلى الخارج. - كلا، للجيش مطالب، وسوف تتحقق مطالبه، هذا كل ما في الأمر.
وسافر إلى الإسكندرية، ها هو الطاغية يتلقى صفعة فولاذية، لتكن صفعة بقوة طغيانه، فلتكن قاضية، وليحترق باجترار آثامه. انظر إلى عواقب غيك وحماقتك، ولكن أين تقف هذه الحركة؟! وما الدور الذي سيلعبه الحزب؟ الأمل أحيانا يسكره، وأحيانا يدوخه إحساس كالذي يخالج الكلاب قبيل الزلازل، ووجد عبد الحليم باشا شكري في أثنيوس مرتديا بدلة بيضاء من الحرير الطبيعي، مغروزا في عروة جاكتتها وردة حمراء قانية، وأمامه قدح من البيرة الاستوت، لم يبق فيها إلا رغوة كاليود، وقال له الباشا وهو يضيق عينيه في فتور: دعك من مطالب الجيش، الحركة أكبر من ذلك، المطالب يمكن أن تتحقق اليوم ثم يشنق مقدموها غدا، كلا يا أستاذ، ولكن من الصعب جدا التكهن بما وراء ذلك. - أليس عند سعادتك أخبار؟ - الحوادث أسرع من التنبؤ، كان يجلس مكانك منذ ساعة مستر جودوين الصحفي الإنجليزي، وقد أكد لي أن الملك قد انتهى.
فاستكان للدهشة الطاغية دقيقة ثم تساءل: أليس لنا علاقة بهذا الأمر؟ - لا يمكن الجزم بشيء من هؤلاء الضباط؟ ولا تنس أن زعماءنا في الخارج. - قد يكون لسفرهم علاقة بالحركة.
وأبى وجهه أن يتفاءل، واكتفى بأن قال بصوت لا يكاد يسمع: قد!
وأكثرا من الكلام وأعاداه دون أن يضيفا إليه جديدا، ولكنه انقلب غاية في ذاته وجدا فيها متنفسا عن القلق.
Página desconocida