Sudán Egipcio
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Géneros
هذه كلمات طلب إلي كثير من أصحابي الذين يشتغلون في المسألة المصرية نشرها، فأجبت طلبهم.
وليس القصد منها الاستفاضة في التاريخ والوقائع؛ بل بيان مساعي السياسة في السودان المصري بالاستناد إلى الوقائع التاريخية، وبيان حق مصر في السودان، وأن السودان جزء من مصر لا يجزأ، وأن مصر لا تستطيع أن تعيش سياسيا وماديا دون السودان.
25 مارس 1924
السودان المصري والسياسة الإنجليزية
في سنة 1881 قامت الدعوة المهدية في السودان والثورة العرابية في مصر في وقت واحد، كأنهما كانتا على موعد، وكانت للسياسة الإنكليزية في كلتيهما يد ظاهرة؛ لأن الإنكليز كانوا لمصر بالمرصاد يغنمون الفرص إن لم نقل يخلقونها، خطة قديمة وضعوها منذ نزل ناپوليون في مصر وهدد الهند سنة 1797 فمنذ ذاك اليوم خلقت عند الإنكليز كلمة «طريق مواصلات الإمبراطورية» فحاولوا - بعد إخراج ناپوليون، وإنكار معاهدة أميان (1802) بينهم وبين فرنسا على أن تظل حالة مصر بلا تغيير - الاستيلاء على مصر (1807) فصدهم محمد علي يساعده الفرنساويون على أن يكون الأمر بيده في مصر عندما ظهر لهم مقصد الإنكليز وهم عاجزون عن مقاومتهم، وظل الفرنساويون بعد طرد الإنكليز يؤيدون محمد علي وينظمون ملكه، حتى انتصر على تركيا، ومد الملك المصري إلى جبال طورس، وألف إمبراطورية ضخمة من مصر وسوريا والسودان، ولكن الإنكليز كانوا له بالمرصاد؛ فألبوا الدول على مصر، واعتبروا «الغالب مغلوبا» وأبقوا مصر ولاية تركية.
ثم اتخذوا عباس الأول آلة صماء في أيديهم فجعل طريق الهند في قلب مصر، وضمن لهم نقل البريد من الإسكندرية إلى السويس، وأنشأ لذلك طريقا معبدة، وأقفل المدارس، وتنازل عن كثير من الامتيازات، ولو طال ملكه لأرجع مصر بإرشادهم ولاية تركية.
ولما تولى سعيد باشا ونال دي لسپس منه امتياز حفر قناة السويس قاومه الإنكليز إلى أن عجزوا عن المقاومة فجعلوا نصب عيونهم امتلاك القناة.
وكان شعار سعيد «مصر للمصريين» فقوى الوطني وعززه بتولي شئون البلد، فلم تجد السياسة الإنكليزية طريقا إليه.
وخلفه إسماعيل، فعقد العزيمة على أن يتم عمل جده محمد علي وأبيه إبراهيم، لا بقوة الجند - وقوة الجند محرمة عليه باتفاق لندرة (1841) - بل بقوة المال، فنال من تركيا سبعة فرمانات بتوسيع سلطته حتى الاستقلال؛ فمد الفتح في السودان حتى الدرجة الثانية بعد خط الاستواء، وأدخل الأوغندا تحت حماية مصر بمعاهدة مع ملكها متيزا
1 (1874) وعين لينان دي بلفون مندوبا ساميا هناك، وهكذا صارت البحيرات وجميع منابع النيل مصرية، وولاه السلطان إقليم سواكن سنة 1865، ثم صار ذلك الإقليم قطعة من الأراضي المصرية بفرمان 17 مايو 1866، ومن أول يوليو 1875 أعطي بفرمان آخر إقليم زيلع، ثم وجه إسماعيل حملة مصرية استولت على سواحل البحر الأحمر من بربرة حتى الأقيانوس الهندي، ولكن عين الإنكليز كانت ساهرة يقظة يمهدون السبيل لتحقيق مطامعهم؛ فحملوا إسماعيل على أن يستخدم رجالهم في حكومة السودان، بعدما ابتاعوا منه أسهم القناة طريق المواصلات الإمبراطورية، وأوحوا إلى أولئك الرجال بمقاصدهم حتى إذا وقعت الأزمة المالية كتب مندوبهم في اللجنة الدولية السير ريفرس ويلسون «إنه لا ينقذ مصر ولا يصلح لحكمها سوى الإنكليز يتولون أمرها» وكتب الكولونل ستيوارت عن السودان «إن المصرين الذين لا يصلحون لحكم الدلتا كيف يصلحون لحكم السودان؟» هذا القول قاله الكولونل ستيوارت بعدما نشر السير صموئيل باكر سنة 1861 تقريرا عن السودان قال فيه: «يستطيع السائح الأوربي أن يتجول وحده في جميع أنحاء السودان كما يتجول الإنكليزي في حديقة هايد بارك عند غروب الشمس، فالشعب لين الطباع سهل الانقياد ليس أسهل من حكمه» فبعد خلع إسماعيل قامت الثورة العرابية والدعوة المهدية بوقت واحد تنشطهما السياسة بكل الطرق والأساليب إلى أن تسنى للإنكليز احتلال مصر سنة 1882، فوضعوا نصب عيونهم تفكيك الإمبراطورية المصرية وامتلاك السودان، وجعلوا حجتهم في البقاء بمصر «الاضطرابات السياسية والمالية بمصر وخطر المهدية بالسودان» أما المهدية فقد وصفها غوردون بقوله: إنها «حركة اليأس» بعدما شدد الإنكليز في إبطال النخاسة والرق تشديدا دفع الناس إلى اليأس، وبعدما ملأوا السودان بالحكام الأجانب وإقصاء المصريين والسودانيين، وبعد احتلالهم مصر وتسلطهم عليها ومنعهم حكومتها من إخماد الثورة إلى أن أكرهوها على الجلاء إكراها، وكانت حجة السير بارنغ (اللورد كرومر) أن ميزانية مصر تتحمل في كل عام 260 ألف جنيه هو عجز ميزانية السودان، فهي أضعف من أن تقوم بهذا الحمل، ولكن هذا الادعاء كان وسيلة لقطع السودان عن مصر؛ لأن حماية الحدود بعد ذلك كانت تتطلب أضعاف هذه النفقة، وحملوا خزانة مصر 400 ألف جنيه في العام نفقة جيش الاحتلال، ولما أرسلوا غوردون لإخلاء السودان فحصره الثوار أنفقوا هم من مالهم ومال مصر على حملة ولسلي لإنقاذه 11 مليون جنيه، ودفعت خزانة مصر من ديون غوردون إبان حصاره 996060 جنيها منها 657258 جنيها للأجانب، ناهيك بجيش مصر الذي ذاب في السودان بعد تركه، ومتاجر المصريين وأموالهم وأملاكهم، والقلاع والحصون والمراكب الحربية والتجارية، ثم بعد ذلك نفقات استعادة السودان، وقد أربت على سبعة ملايين جنيه. كل هذا المال دفع في 16 سنة اقتصادا لمئتي ألف جنيه تدفع في سنة أو سنتين، ولكنهم لم يريدوا الاقتصاد وإنما أرادوا فصل السودان ثم استعادته لأنفسهم لا لمصر.
Página desconocida