وترك مقتل الشريف الفاضل الأمير ذا الشرفين متفردا بالسلطة، لكن موقفه كان محفوفا بمصاعب كثيرة. واتجه في حركته الأولى للثأر للشريفين القتيلين. وفي سبيل ذلك كتب رسالة استصراخ واستنجاد إلى سائر القبائل الموالية طالبا العون والمساعدة، وواصفا القتلة من بني نهم بأنهم "أشر وأخبث من علمت من جميع الناس"(1). ولا تذكر السيرة إن كان القتلة قد أدركوا أو عوقبوا، مع أنها تسمى واحدا منهم(2). وبدلا من أن يصغى ذو الشرفين لاعتبارات استقرار السلطة ومستقبلها، تحول إلى كتلة من الغضب المشتعل بالرغبة في الثأر، ومال إلى إيقاع عقوبات "جماعية" ببني نهم، وبني الدعام، رغم أن الأخيرين كانوا العمود الفقري لجيشه. وكانت قبائل أخرى قد خرجت على طاعته عندما قتل الشريف الفاضل(3). ويبدو محتملا أنه في هذه الظروف عاد ذو الشرفين للتعاقد وتحديد الحدود مع أحمد بن المظفر الصليحي رغم أن السيرة لا تذكر تاريخا للمهادنة الجديدة(4). وصارت حملة الثأر مستعدة للانطلاق أخيرا في جمادى الأولى عام 469ه/ يناير 1077م. وكانت أعداد كبيرة من المقاتلين قد تجمعت خارج شهارة للانطلاق في غارة إلى الشرف الذي ظهر فيه ثائر إباضي يدعو إلى نفسه. لكن ذا الشرفين أخبرهم قبل الانطلاق مباشرة بالاتجاه الحقيقي للحملة. وفي البطنة حاول نباتة بن الربيع الدعامي الانضمام إلى الجيش، وسأل الوصول إلى ذي الشرفين من أجل الاعتذار والأمان. وأبى الشريف استقباله، واضطر للهرب مع رجاله عندما ساورهم الخوف على حيواتهم. واخترق الجيش أراضي بني نهم وبني الدعام مخربا ومحرقا وقاتلا كل من لم يهرب . واستخرجت جثتا الشريفين المقتولين، وتنازعت القبائل شرف دفنهما بأرضها. وجرى الاتفاق أخيرا على دفن الشريف الفاضل بالحضن من بلاد وادعة بالظاهر، والشريف القاسم بن إبراهيم في عيان.
Página 34