وأما ورعه وعفافه وزهادته وعبادته وسلامة السريرة، وصفاء الطوية والخشية الدخيلة لباري البرية، فشىء ظهر ظهور النهار، واشتهر دجلة في الأنهار، متقنع بالحياء، تلمع من جبينه أشعة التقوى، ذو سمت قويم، وهدى مستقيم، لم يعرف المجون ولا شين بالمستخفات، ولا اقتحمته العيون، نور النبوة في أثناء قسماته، وماء الخلافة يطرد على صفحاته، ما زال مذ نشأ يفعة تلحظه العيون بالجلالة، وتهيب إليه القلوب بالزعامة، وتهش نحوه النفوس للإمامة، وتشير إليه الأصابع في الخاصة والعامة، ولقد تمخضت به الليالي شمسا في أفق العلياء، وسراجا من مشكاة الضياء، وأصلا مغرسه سرة البطحاء، وغصن شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولقد عاشرنا من لدن الحداثة حتى الغاية أتم معاشرة وألطفها، فما رأيناه ضاحكا بصوت عال إنما ضحكه التبسم، ولا واغلا في وادي المزاح، ولا مكثارا في الكلام، ولا أزرى به البأو والحال، أيضع الناس خلقا، وأسلسهم طبعا، وأكرمهم نفسا، وأنداهم كفا، وأخفضهم طائرا، وأهداهم مجلسا، وألينهم عريكة، وأوطأهم جنابا، وله من تعظيم جلال الله، وهيبته أمر الله، والجنوح لسلطان حقه، والطوع لحتمه، والقيام بحق الله، والمسارعة إلى رضاه، والكلف بإحياء دينه، ونصرته على حزب الباطل وشياطينه، والإعراض عما سوى ذلك من القبيح، وكثير من المباح والمكروه في الأقوال، والأفعال والأحوال، ما لا يتأدى فيه المعرفة بالصفة، ولا يقوم فيه الكتاب بالخطاب، وهذه دعوته وسماته قبل تصديه الزعامة، واضطلاعه بعد بأعباء الإمامة.
Página 71