ثم نظر في صندوق علمه، وخزانة صدره، ما قال(1) أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام(2) في كلامه لهمام وكان به مهتما(3) وقد مر في كلامه عليه السلام:والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراقة(4)خنزير في يد مجذوم(5))) وقال: [والله] (6) لدنياكم هذه [عندي] (7) أحقر من أتان(8) دبرة، وعفطة معزة، والله ما اكتنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا حزت(9) من أرضها شبرا، بلى!! كان لنا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليه نفوس قوم، وما أعددت لبالي ثوبي طمرا، ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي [به](10). ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح، ونسائج [هذا](11) القز، ولكن هيهات أن يقودني طمع إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز [أو](12) اليمامة من لا عهد له بالشبع، ولا طمع له بالقرص، وأيم الله لأروض نفسي رياضة تهش معها إلى القرص مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعن مقلتي كعين نضب معينها، يا دنيا غري غيري، قد بتتك ثلاثا لارجعة لي فيك، والله لو كنت شخصا مرئيا لأقمت عليك حدود الله في عباده، غررتهم بالأماني، وألقيتهم في المهاوي، هيهات!! من وطئ دحظك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن ازور عنك وفق، طوبى!! لنفس أدت إلى ربها(13) فرضها، وهجرت في الليل غمضها، وافترشت بوجهها أرضها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعها جنوبهم، وهمهمت بذكر الله شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، فاتق الله يابن حنيف، وليكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك.
ونظر فيما حفظه من كلام السلف والتابعين فزاده من اليقين، و(1) قيل لحاتم الأصم رحمه الله (2): بلغني (3) أنك تجوز المفاوز بالتوكل من غير زاد ؟ قال: بل أجوزها بالزاد، وقيل:مه؟ قال: أربعة أشياء، قيل:ما هي ؟ قال: أرى الدنيا بحذافيرها مملكة الله، وأرى الخلق كلهم عباد الله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء الله [وقدره](4) نافذا وقدره ورزقه مقسوم. فقال له أبو مطيع: [آه](5) يا حاتم..نعم الزاد زادك فإنك لتجوز به مفاوز الآخرة.
ونظر إلى قول سليمان الداراني رحمه الله تعالى(6): إذا رأيت الأشياء كلها كشيء واحد من معدن واحد، لمالك واحد رأيت ما لم تر، وسمعت ما لم تسمع، وفهمت ما لم يفهم الخلق.
وقال إمام الصدق الحسن البصري رحمه الله تعالى(7): لو كانت الدنيا رصاصا، والسماء نحاسا، ثم اهتممت برزقي، لظننت أني مشرك.
Página 79