لا قياس بين " صحاح " الجوهري و" تقفية " البندنيجي بقلم الدكتور ابراهيم السامرائي عنيت العربية بالكلام المقفى، منذ أقدم عصورها، وهي في ذلك بدع بين اللغات السامية، فلم نعرف لغة منها كان فيها للقافية ما كان لها في العربية، وليس أدل على هذا ما حفلت به لغة التنزيل العزيز من أفانين السجع والمزاوجة. وليس أدل على ذلك - أيضا - مما أثر من هذا الضرب من الكلام في حديث رسول الله ﷺ وحديث الصفوة من رجاله الاكرمين. وليس لقائل يقول لنا إن النبي ﷺ أنكر على بعضهم أن يسجع في كلامه، فقال: أسجعا كسجع الكهان؟ ومن هنا كان استعماله غير حسن والرد على ذلك أن الرسول أراد أن لا يتخذ سجع الكهان في الجاهلية وصدر الاسلام مادة تحاكي وأسلوبا يتبع. لقد عني الرسول الكريم بكلامه، فجاء من نماذج البلاغة العالية، وكان من اهتمامه أن عني بالكلم، فتعرض له السجعة، فتحل في محلها عناية بجودة البناء واحكاما له، وادراكا للمعنى المراد. ألا ترى أن من عنايته بهذا اللون أنه عدل بالكلمة عن وجهها، لتجئ على نمط أخواتها، فقال للحسن بن علي بن أبي طالب ﵉: " أعيذه من الهامة والسامة، وكل عين لامة " وأراد: " ملمة " من الرباعي ألم. ويندرج في هذا قوله ﷺ: " ارجعن مأزورات غير مأجورات "، وإنما أراد " موزورات " من الوزر، فقال: " مأزورات " مكان موزورات، طلبا للتوازن والسجع. وحسبك أنك لا تجد سورة من سور القرآن قد خلت من الكلم المسجوع، أو مما دخله ضرب من العناية كالمزاوجة مثلا، وإنك لتجد السورة كلها مسجوعة على نحو ما كان في سورة الرحمن، وإنك تقرأ قوله تعالى في سورة طه: طه (١) ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى (٢) إلا تذكرة لمن يخشى (٣) تنزيلا ممن خلق الارض والسموات العلى (٤) الرحمن على العرش استوى (٥) له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى (٦) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى (٧) الله لا إله إلا هو له الاسماء الحسنى (٨)
1 / 10