Mártires del Fanatismo
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Géneros
وعكف الحراس على زجاجاتهم يشربونها ليلا، وينظرون إلى الدنانير. فلما انتصف الليل تساقطوا سكارى إلا قليلين كانوا يتمشون متوكئين على بنادقهم، وإذا بأحدهم يقول: ألا تسمع صريرا من ناحية دكة الإعدام؟
فأجابه رفيقه: كلا.
قال: أصغ قليلا، وسمعا صوتا خفيفا من تلك الناحية، فقال الحارس الآخر: يا لك من غبي، هذا غطيط الرجل المتعصب الراقد هناك.
قال: صدقت، واستمر الرجلان يتمشيان.
وكان الصرير من ناحية جاليو، لكنه غير صادر من صدره، بل من منشار قصير في يده نشر به ثلاثة أعمدة من خشب المشنقة، وإذا به يسمع وقع خطى خفيفة، فرفع ذيل ستر الخيمة، ورأى رجلا وامرأة أمامه، وقد وقفا قرب المشنقة. فسمع جاليو زفرات متقطعة، فقال في نفسه: إنها إحدى عشيقات الأمير أتت مع خادم لها، فخير لهما ولي أن يذهبا ويتركاني أتم عملي.
وجثت المرأة كأنها تصلي وتلثم الأرض، ولبثت كذلك هنيهة ورفيقها ينظر إلى الوراء، ويرصد الناس. فهاج فضول جاليو وأنصت لصلاتها، فسمعها تقول: هنا قتلوك يا أبت شنقا كأنك من أشرار الناس، غير أن ساعة الانتقام قريبة. ثم نهضت وابتعدت مع رفيقها فرآهما جاليو يدخلان بيتا أمام ساحة الإعدام، فقال: سوف نجلو غامض هذه المسألة فيما بعد.
وعمد إلى العمود الرابع فتمكن من نشره، وأصبحت المشنقة لا تحتاج إلى أكثر من صدمة خفيفة فتسقط، ولما تحقق أن الحراس غير متنبهين إليه تناول وعاء من الرزم التي جاء بها، وغط فيه ريشة، ثم أخذ يرش الألواح بسائل من الوعاء ويبتسم سرورا. فلما شمل القطران الخشب عمد إلى ما هو أصعب وأشق؛ لأنه كان ينوي إضرام النار من غير أن ينبه الحراس، ومن حسن حظه أن الجو كان حارا، فقدح جاليو زنادا بين قطعتين من خشب، فلما تطاير شرر قليل ألقى في النار ما جاء به من يابس النبات، وجعل ذلك قرب الألواح، ثم زحزح ستر الخيمة، وسرح البصر فلم يجد أحدا من الحراس أمامه، فأطلق ساقيه للريح.
ولم يبتعد أكثر من خمسين خطوة حتى لفت بصره ثلاثة رجال أقبلوا إلى ذلك البيت الذي دخلته المرأة والرجل منذ هنيهة، فقال: هل من مؤامرة جديدة يا ترى؟
ووقف الرجال الثلاثة على بعد خطوات من ذلك البيت، وكان في الطبقة الأولى مصباح ضئيل النور، فانطفأ نوره في الحال.
ولو تمكن أحد من دخول الغرفة التي كان النور فيها لسمع فيها المحادثة الآتية بين فتاة وشاب؛ إذ كانت الفتاة تقول للشاب: هل تحققت ما أنبأتني به؟ فأجابها: رأيت الرجل أمس، وأول أمس، وفي الأيام السابقة من هذا الأسبوع. - وهل يأتي إلى هنا؟ - نعم، يخرج من القصر مصحوبا ببعض الأشراف من باب سري، ويتقدم مستمهلا فيفحص البيت وبصره إلى النافذة، ولقد كان في وسعي محاولة قتله مرتين، ولكنني لو لم أسدد المرمى جيدا لقبض علي أصدقاؤه، ولذهب انتقامي ضياعا. على أنني قادر من هنا أن أصيبه. فإذا أخطأته لا يتعذر علينا الفرار والاختفاء إلى حين سنوح فرصة أخرى . إني لا أزال ألوم نفسي؛ لأنني أخطأته في باريس. - وددت أن أكون حاضرة ساعة قتله، ولا بد من ذلك، فهل فهمت يا بلترو؟ قال: لقد وعدتك وعدا صادقا وكفى. قالت: شكرا لك. قال: ألا ترين الآن هؤلاء الرجال الثلاثة الذين يجتازون الساحة؟ فهم، هم. قالت: أطفئ المصباح.
Página desconocida