Memorias de los Mártires de la Ciencia y el Exilio
ذكرى شهداء العلم والغربة
Géneros
ثم أشار عليه بعض صحابته بالتوظف مع متابعة الدرس ففعل والتحق بالقسم الميكانيكي بوزارة الأشغال في يوليه سنة 1919م، وكان في مدة توظفه القصيرة مثال الاستقامة والنشاط في العمل.
ولما وضعت الحرب أوزارها وأصبح الارتحال إلى أوروبا ميسورا عاد لنفسه شغفه الأول بالهجرة، فأعد عدته لتلقي العلوم الميكانيكية بإحدى الكليات الألمانية، وبرح وطنه العزيز مع زملائه على الباخرة حلوان، فقطع عليه الطريق القدر المحتوم وعاد إلى الوطن مع العائدين المبكيين، ونقل إلى بلدته في احتفال كبير لم يشهد له مثيل في تلك الناحية، حيث دفن بمدافن عائلته الكريمة مبكيا على شبابه، مشكورا جهاده العلمي وهمته العالية، أسكنه الله فسيح جناته!
وعند مواراته التراب وقف الشيخ محمد الهندي فألقى هذه الكلمة في رثاء الفقيد:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
إن القلوب لتتفطر أسفا عليك يا فقيد الأدب ويا شهيد العلم، أي عين لا تبكيك وأي نفس لا تندبك وأي قلم لا يرثيك؟ إنك يا محمود أذبت قلوبنا حسرات عليك وأشعلت أفئدتنا بنيران الحزن.
أبكي فيك الفضيلة والمروءة، وأرثي الحياء والشمم، وقد كنت أرجو أن تطول حياتك، ويتحقق أملك، فواأسفا على شبابك الغض وأخلاقك الطاهرة!
فقدناه والآمال ترجو بقاءه
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
لقد كنت أيها الفقيد العزيز مثال الفطنة، وعنوان الذكاء، وصرفت كل مجهودك في تحصيل العلوم حبا في أمتك وبلادك، واستهنت بالمصاعب، وهاجرت لتفوز بثواب المهاجرين في سبيل العلم، ولتوفي لمصر حقوقها عليك، ولتحقق آمالها فيك، وتحملت مشقة المهاجرة، وبعد الشقة، وفراق الأهل والوطن لتعود رجلا تنفع مصر، فما أبرك بمصرك يا محمود!
Página desconocida