والحمد لله الذي ابتدع الخلائق أنواعا وأجناسا، فجعل منهم ملائكة مقربين وجنا وناسا، فاختلف الثقلان في الدين قصودا وإعراضا، بين مقبل عليه ومعرض عن إعراضا، فهذا ناج لم يأل في طاعة ربه تشميرا واجتهادا، بل وظف عمره في أنواع القربات أورادا، وأخلص لربه قولا وعملا واعتقادا، وهذا ضال أفنى عمره عتوا وفسادا، واستوعبه عداوة للحق وعنادا، وترى من القوم مهموما يكابد فاقة وفقرا، قد شغل ذلك منه لبا وكسر ظهرا، وآخر غنيا أعطاه الله ثروة ووفرا، وأنعم عليه بنعم لا يحدث لها شكرا، فهو ينفق إسرافا وبدارا، ويبذر إعلانا وإسرارا، قد بدل نعم الله كفرا، ولم ينفق منها في طاعته فيحوز أجرا، كأن في أذنيه عن سماع الموعظة وقرا، قد جعل الله له البخل دثارا وسترا، وتنظر منهم سقيما لا يزداد إلا ضرا وسقما، عليلا ملبسا أوجالا وألما، وصحيحا معافى لا يزال مرتكبا للعظائم، عاكفا على المعاصي والمآثم، وتجد منهم فاجرا محبوبا في العيون، مفتونا به الجهال أي فتون، وآخر مزدريا عند الأباعد والأقربين، غير مقبول وإن جاء بالحق المبين، تفاضلوا هكذا أصنافا وألوانا، كما اختلفوا أجناسا وأحوالا وأفنانا، وأشهد أن لا إله إلا الله الباطن الظاهر القاهر، الأول الآخر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الكريم، الأمين الأواه الحليم، الذي قال فيه الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}[القلم:4] {بالمؤمنين رءوف رحيم}[التوبة:128] صلى الله عليه وآله النجباء الأكرمين، المصطفين الأطهار المكرمين.
أما بعد:
فإني لما وقفت على الأخبار المأثورة، والآثار المنقولة المشهورة عن النبي (صلى الله عليه وآله الأكرمين) نحو قوله صلى الله عليه وآله: ((من حفظ عن أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي)).
وقوله صلى الله عليه وآله: ((ليبلغ الشاهد الغائب عسى أن يبلغ إلى من هو أوعى منه)).
Página 2