وأما الصدا فإنه يحدث من تموج يوجبه هذا التموج، فإن هذا التموج إذا قاومه شىء من الأشياء كجبل أو جدار حتى وقفه لزم أن ينضغط أيضا بين هذا التموج المتوجه إلى قرع الحائط أو الجبل وبين ما يقرعه هواء آخر يرد ذلك ويصرفه إلى خلف بانضغاطه ويكون شكله الشكل الأول وعلى هيئته كما يلزم الكرة المرمى بها الحائط أن تضطر الهواء إلى التموج فيما بينهما وأن ترجع القهقرى، وقد بينا فيما سلف ما العلة فى رجوع تلك الكرة قهقرى، فلتكن هى العلة فى رجوع الهواء، وقد بقى علينا أن ننطر هل الصدا هو صوت يحدث بتموج الهواء الذى هو التموج الثانى أو هو لازم لتموج الهواء الأول المنعطف النابى نبوا، فيشبه أن يكون هو تموج الهواء المنعطف النابى، ولذلك يكون على صفته وهيئته وأن لا يكون القرع الكائن من هذا الهواء يولد صوتا من تموج هواء ثان يعتد به، فإن قرع مثل هذا الهواء قرع ليس بشديد، ولو كان شديدا بحيث يحدث صوتا لأضر بالسمع، ويشبه أن يكون لكل صوت صدا ولكن لا يسمع كما أن لكل ضوء عكسا، ويشبه أن يكون السبب فى أن لا يسمع الصدا فى البيوت والمنازل فى أكثر الأمر أن المسافة إذا كانت قريبة بين الصوت وبين عاكس الصوت لم يسمعا فى زمانين متباينين بل يسمعان معا كما يسمع صوت القرع الذى معه وإن كان بعده بالحقيقة، وأما إذا كان العاكس بعيدا فرق الزمان بين الصوتين تفريقا محسوسا، وإن كان صلبا أملس فهو لتواتر الانعكاس منه بسبب قوة النبو يبقى زمانا كثيرا كما فى الحمامات، ويشبه أن يكون هذا هو السبب فى أن يكون صوت المغنى فى الصحراء أضعف وصوت المغنى تحت السقوف أقوى لتضاعفه بالصدا المحسوس معه فى زمان كالواحد، ويجب أن تعلم أن التموج ليس هو حركة انتقال من هواء واحد بعينه بل كالحال فى تموج الماء يحدث بالتداول بصدم بعد صدم مع سكون قبل سكون، وهذا التموج الفاعل للصوت سريع لكنه ليس بقوى الصك، ولمتشكك أن يتشكك فيقول إنه كما قد تشككتم فى اللمس فجعلتموه قوى كثيرة لأنه يدرك متضادات كثيرة فكذلك السمع أيضا يدرك المضادة التى بين الصوت الثقيل والحاد، ويدرك المضادة التى بين الصوت الخافت والجهير والصلب والأملس والمتخلخل والمتكاثف وغير ذلك فلم لا تجعلونه قوى، فالجواب عن ذلك لأن محسوسه الأول هو الصوت وهذه أعراض تعرض لمحسوسه الأول بعد أن يكون صوتا، وأما هناك فكل واحدة من المتضادات تحس لذاتها لا بسبب الآخر، فليكن هذا المبلغ فى تعريف الصوت والإحساس به كافيا،
Página 90