ويجب أن يحقق الكلام فى القارع والمقروع، فنقول إنه لا بد فى القرع من حركة قبل القرع و حركة تتبع القرع، فأما الحركة قبل القرع فقد يكون من أحد الجسمين وهو الصائر إلى الثانى وقد يكون من كليهما، ولا بد من قيام كل واحد منهما أو أحدهما فى وجه الآخر قياما محسوسا، فإنه إن اندفع أحدهما كما يمس بل فى زمان لا يحس لم يكن صوت، والقارع والمقروع كلاهما فاعلان للصوت لكن أولاهما به ما كان أصلبهما وأشدهما مقاومة، فإن حظه فى ذلك أشد، وأما الحركة الثانية فهو انفلات الهواء وانضغاطه بينهما بعنف، والصلابة تعين على شدة ضغط الهواء والملاسة أيضا لئلا ينتشر الهواء فى فرج الخشونة والتكاثف أولى بذلك لئلا ينفذ الهواء فى فرج التخلخل، وربما كان الجسم المقروع فى غاية الرطوبة واللين لكنه إذا حمل عليه بالقوة وكلف الهواء المتوسط أن ينفذ فيه أو ينضغط فيما بينهما لم يكن ذلك الجسم أيضا بحيث يمكن الهواء المتوسط أن ينفذ فيه ويشقه فى زمان قصير بل قاوم ذلك فلم يندفع فى وجه ذلك الهواء المتوسط بل وقاوم أيضا القارع لأن القارع كان يسومه انخراقا كثيرا فى زمان قصير جدا، وليس ذلك فى قوة القابل ولا فى قوة الفاعل القارع فامتنع من الانخراق، فقام فى وجه القارع وضغط معه المتوسط فكانت المقاومة فيه مكان الصلابة، وأنت تعلم هذا إذا اعتبرت إمرارك السوط فى الماء برفق فإنه يمكنك أن تشقه شقا من حيث لا يلزمك فيه مؤونة، فإن استعجلت استعصى عليك وقاوم، فالهواء أيضا كذلك بل قد يجوز أن يكون الهواء نفسه يصير جزء منه مقاوما وجزء بينه وبين المزاحم القارع منضغطا بل يجوز أن يصير الهواء أجزاء ثلثة جزء منه قارع كالريح وجزء مقاوم وجزء منضغط فيما بينهما على هيئة من التموج، وليست الصلابة والتكاثف علة أولية لإحداث هذا التموج بل ذلك لهما من حيث يعينان على المقاومة، والعلة الأولية هى المقاومة، فالصوت يحدث من تموج الجسم الرطب السيال منضغطا بين جسمين متصاكين متقاومين من حيث هو كذلك، وكما أن الماء والهواء والفلك تشترك فى طبيعة أداء الألوان، وتلك الطبيعة لها إسم وهو الشفيف فكذلك الماء والهواء لهما معنى يشتركان فيه من حيث يحدث فيهما الصوت، وليكن إسمه قبول التموج، وليس ذلك من حيث المتوسط ماء أو هواء كما أن الإشفاف لم يكن من حيث المتوسط فلك أو هواء، ويشبه أن يكون الماء والهواء لهما أيضا من حيث يؤديان الرائحة أو الطعم معنى كذلك لا إسم له، فلتكن الرطوبة المؤدية للطعم العذوبة وأما ما يشترك فيه نقل الرائحة فلا إسم له،
Página 88