وأما الشم فإنه وإن كان الإنسان أبلغ حيلة فى التشمم من سائر الحيوانات فإنه يثير الروائح الكامنة بالدلك وهذا ليس لغيره ويتقصى فى تجسسها بالاستنشاق وهذا يشاركه فيه غيره - فإنه لا يقبل الروائح قبولا قويا حتى يحدث فى خياله منها مثل ثابتة كما يحصل للملموسات والمطعومات بل يكاد أن تكون رسوم الروائح فى نفسه رسوما ضعيفة، ولذلك لا يكون للروائح عنده أسماء إلا من جهتين، إحداهما من جهة الموافقة والمخالفة بأن يقال طيبة ومنتنة كما لو قيل للطعم إنه طيب وغير طيب من غير تصور فصل وتسمية، والجهة الأخرى أن يشتق لها من مشاكلتها للطعم إسم فيقال رائحة حلوة ورائحة حامضة كأن الروائح التى اعتيد مقارنتها لطعوم ما تنسب إليها وتعرف بها، ويشبه أن يكون حال إدراك الروائح من الناس كحال إدراك أشباح الأشياء وألوانها من الحيوانات الصلبة العين فإنها تكاد أن تكون إنما تدركها كالتخيل الغير المحقق وكما يدرك ضعيف البصر شبحا من بعيد، وأما كثير من الحيوانات الصلبة العين فإنها قوية جدا فى إدراك الروائح كالنمل، ويشبه أن لا يحتاج أمثالها إلى التشمم والتنشق بل يتأدى إليها الروائح فى الهواء،
Página 77