La teología del libro de la curación
الالاهيات من كتاب الشفاء
Géneros
وهذا شيء قد مال إليه عامة من القدماء، فبعضهم جعل للهيولي وجودا قبل الصورة، وأن الفاعل ألبسها الصورة بعد ذلك إما ابتداء من نفسه وإما لداع دعاه إليه، كما ظنه بعض الشارعين فيما لا يعنيه ولا له درجة الخوض في مثله. فقال: إن شيئا كالنفس وقع له فلتة أن اشتغل بتدبير الهيولي وتصويرها فلم يحسن التدبير ولا كمل لحسن التصوير، فتداركها الباري تعالى وأحسن تقويمها. ومنهم من قال: إن هذه الأشياء كانت في الأزل تتحرك بطباعها حركات غير منتظمة، فأعان الباري تعالى طبيعتها ونظمها. ومنهم من قال: إن القديم هو الظلمة أو الهاوية أو شيء لا يتناهى لم يزل ساكنا، ثم حرك، أو الخليط الذي يقول به أنكساغورس. وذلك لأنهم قالوا: إن القوة تكون قبل الفعل، كما في البذور والمني وفي جميع ما يصنع، فبالحري أن نتأمل هذا ونتكلم فيه. فنقول: أما الأمر في الأشياء الجزئية الكائنة الفاسدة فهو على ما قالوا، فإن القوة فيها قبل الفعل قبلية في الزمان؛ وأما الأمور الكلية أو المؤبدة التي لا تفسد وإن كانت جزئية فإنها لا تتقدمها التي بالقوة البتة. ثم القوة متأخرة بعد هذه الشرائط من كل وجه، وذلك لأن القوة إذ ليست تقوم بذاتها فلابد لها من أن تقوم بجوهر يحتاج أن يكون بالفعل، فإنه إن لم يكن صار بالفعل فلا يكون مستعدا لقبول شيء، فإن ما هو ليس مطابقا فليس ممكنا أن يقبل شيئا. ثم قد يكون الشيء بالفعل ولا يحتاج إلى أن يكون بالقوة شيئا كالأبديات فإنها دائما بالفعل. فمن هذه الجهة حقيقة ما بالفعل قبل حقيقة القوة بالذات، ومن وجه آخر أيضا فإن القوة تحتاج أن تخرج إلى الفعل بشيء موجود بالفعل وقت كون الشيء بالقوة، ليس إنما يحدث ذلك الشيء حدوثا مع الفعل فإن ذلك أيضا يحتاج إلى مخرج آخر وينتهي إلى شيء موجود بالفعل لم يحدث. وفي أكثر الأمر فإنما يخرج القوة إلى الفعل شيء مجانس لذلك الفعل موجود قبل الفعل بالفعل كالحار يسخن والبارد يبرد. وأيضا فكثيرا ما يوجد ما هو بالقوة من هو حامل القوة للشيء الذي هو بالفعل، حتى يكون الفعل بالزمان قبل القوة لا مع القوة، فإن المني كان عن الإنسان والبذر عن الشجرة حتى كان عن ذلك إنسان وعن هذا شجرة. فليس أن يفرض الفعل في هذه الأشياء قبل القوة أولى من أن تفرض القوة قبل الفعل. وأيضا فإن الفعل في التصور والتحديد قبل القوة، لأنك لا يمكنك أن تحد القوة إلا أنها للفعل وأما الفعل فإنك لا تحتاج في تحديده وتصويره أنه للقوة. فإنك تحد المربع وتعقله من غير أن يخطر ببالك قوة مقبولة، ولا يمكنك أن تحد القوة على التربيع إلا أن تذكر المربع لفظا أو عقلا وتجعله جزء حده.
Página 92