ويشبه أن يكون الشراب الطري أسخن فى نفسه من العتيق المنحل عنه ناريته، الباقي فيه مائيته وأرضيته. لكن ذلك أبقى فى البدن، وأبطأ تحللا، فيسخن أكثر، وهذا أشد تحللا. ومثال ذلك الجمر؛ فإنه إذا مس أحرق أشد مما تحرق النار الصرفة إذا مست؛ لأن ذلك الجمر كثيف متشبث والنار لطيفة متخلخلة.
وكثير من الأشياء يبرد فى وقت، ويسخن فى وقت، لاختلاف زمان انفعال ما فيه من الجوهر البارد والحار، فيفعل أحدهما فى البدن بعد الآخر. وربما كان المبرد يستحيل غذاء، فيسخن من حيث هو غذاء ودم. وربما كان المسخن مركبا من جوهر لطيف وجوهر غليظ، فيسبق اللطيف إلى فعله، ثم يتفشى، ثم يليه الغليظ، فيفعل فعله من بعد، مثل البصل فإن فيه جوهرا حريفا يسخن، لكن جرمه الذى يبقى بعد ذلك يبرد ويرطب؛ ويحدث بلغما خاما.
والاستقصاء فى جزئيات هذه الأشياء يجب أن يوكل إلى صناعة أخرى. لكنك قد علمت أن المزاج لا يخلو من أحد أقسام: إما أن يكون الكيفيات كلها متساوية فيه، وهذا هو الذى يسمى بالمعتدل؛ وإما أن تكون مضادة متكافئة، ومضادة ليست كذلك.
Página 263