الجمعة 27 شوال/11 أغسطس
الإنسان بين الإعجاب والتحقير
عجيب أمر الإنسان، يرتقي إلى الدرجات العلا، ويهوي إلى الدرك الأسفل، ويقدم إلى أبعد الغايات، ويحجم عن أقرب المطالب! ترى إنسانا يسف فتحتقره، وآخر يحلق فتكبره. وترى خيرا تسكن إليه كل السكون، وشريرا تنفر منه كل النفور، وذكيا يذهلك ذكاؤه، وغبيا يضحكك غباؤه، وعالما تحار في علمه، وجاهلا تعجب من جهله. وترى الإنسان معمرا يجعل الصحارى جنات ويحيي كل موات، وطبيبا ييسر الشفاء من كل داء، ورحيما يرفق بالضعفاء، ويحنو على البؤساء، ويبني ويشيد ويبدئ في الفنون ويعيد. ثم تراه للشقاء مدمرا، يرد العامر خرابا والجنات قفرا يبابا، ويرسل الصواعق من الهواء، يهدم الأحياء ويفتك بالأحياء، تهبط قنابله على الأسرة في مسكنها والجماعة في موطنها، فلا تبقي ولا تذر، وتذهب بالعين والأثر، يبتكر الخير والشر، والنفع والضر.
هكذا يتداول الإنسان إكبارك وإصغارك، ويتناوبه إعجابك واحتقارك، ويتداولك له الفرح والحزن، والحب والبغض، والرضا والغضب، واليأس والأمل.
إن الإنسان قدير على الإعمار والإخراب، مفتن في الإفساد والإصلاح، في نفسه خير وشر، وفي كفه نفع وضر.
فيا ساسة الأمم وقادة الشعوب، ويا علماء البشر وأدباء الجماعات! أيقظوا الخير في الإنسان وأوحوا إليه الإحسان، واحذروا ما استطعتم كلمة تشعل النار، أو فعلة تسوق إلى الدمار، أو سنة يسير بها العالم إلى البوار.
السبت 28 شوال/12 أغسطس
مرآة تضطرب
أقبلت على حجرة فخيل إلي أن أثاثا فيها يضطرب، يعلو ويسفل، ويميل ويعتدل؛ فدهشت. ثم اقتربت فلم يسكن الاضطراب؛ فوقفت. فتأملت فإذا مرآة معلقة على جدار أمامي تحركها الريح.
قلت هذا الاضطراب الذي أحسسته في أثاث الحجرة وجانب منها وعجبت له لأول وهلة ولم أشك فيه وأخذت أتعرف أسبابه متعجبا، لم يكن في شيء من الحجرة ولكن كان في المرآة، وكانت حركة المرآة ضعيفة، ولكنها صورت الأثاث في حركة شديدة.
Página desconocida