يقال في المثل للدواء الذي لا ينجع؛ لأنه لا يصيب موضعه، ولا يتجاوز الظاهر إلى الباطن: إنه دهان على وبر؛ والمعنى أنه كطلي الجمل الأجرب على وبره، والدهان لا ينجع ما لم يقع على جلد الحيوان.
وأنت تقرأ كل يوم عن جرائم كثيرة، ومخاز شتى تدل على مرض في النفوس أو في الجماعة أو خلل في نظامها. وترى كيف يتتبع الشرطة الجناة حتى يأخذوهم، وكيف يمسكهم القانون حتى يعاقبهم، ولكن سيل الجرائم لا يكف، وسلسلة المخازي لا تنقطع.
إن الشرطة والقضاء يخيفان ولا يصلحان، ويعاقبان ولا يربيان، ويأخذان المجرم بما اجترح إن ظفرا به، ولا يداويان المرض الذي ينشئ الجرائم.
الشرطة والقضاء يعددان الحادثات ، ويعاقبان عليها، ولكن الأمة لا تعنى بالتأمل في أسبابها، ولا تعمل للقضاء عليها، وكفاية الناس شرها. وإنما يكفى الناس شرها بالمداواة لا بالمجازاة.
ستزداد الجرائم على رغم الشرطة والقضاء إن لم تعالج مصادرها في النفس وفي سنن الجماعة، ستزداد إن لم يتصل الدواء بالجسم باطنه وظاهره؛ إن اكتفينا بهذه الوسائل التي هي دهان على وبر.
الخميس 10 رجب/27 أبريل
المعبد الأكبر
في الناس من يعتزل مشاغل العيش ويأوي إلى داره معتكفا متعبدا بعيدا من الشر والإثم. وليس شيئا أن يعتزل الإنسان الناس فيتعبد، إنما العبادة الحقة أن تدفع في مضايق الحياة ومعاركها، وتمارس فتنها ومطامعها، ثم لا يقطعك شيء من عبادة الله آخذا بالحق قائما بالقسط.
إن العالم هو المعبد الأكبر، فما أثرت فيه من عمل صالح، وما قلت فيه من كلمة طيبة فهو عبادة، وكل ما تسن للناس من سنة حسنة، وكل ما تهديهم إليه من رأي سديد عبادة يحبها الله ويدعو إليها الدين. فاتخذ هذا العالم معبدا، واسع فيه إلى الخير أبدا، وأصلح ما استطعت. فإن تفعل؛ فأنت في عبادة دائمة، ليلك ونهارك، وأنت في ذكر لا تفتر سرك وجهرك، وصلاة لا تنقطع يجزي الله بها عباده الحسنى وزيادة.
الجمعة 11 رجب/28 أبريل
Página desconocida