121

الصور والحقائق

الصور من الحقائق كالألفاظ من المعاني، ينبغي أن تعطى حظها من العناية، ويعرف خطرها في الدلالة. المعنى يدل عليه اللفظ وبينهما من الصلة والتآلف ما يجعل التمييز بينهما عسيرا أو معضلا؛ فاللفظ لا يكون بغير معنى، والمعنى لا يكون في الكلام بعير لفظ، حتى أشكل على الناظرين في البلاغة التفريق بين المعاني والألفاظ، فقال فريق: بلاغة الكلام في ألفاظه، وقال آخرون: بل بلاغته في معانيه، وليس هذا من صددنا الآن.

ولكن قصدي إلى الصور وما تدل عليه، فالخشوع مثلا حقيقة في النفس لها صورة في أفعال الصلاة، فلا ينبغي أن تحقر الصلاة وتنظر إلى المعنى فحسب، فالصورة والمعنى لا ينفصلان. السجود مثلا صورة الخشوع، وإن شئت فقل: خشوع مجسم. وقس على هذا كل ما في أعمالنا من صور وحقائق، تجد الإخلال بالأولى يخل بالثانية، والإخلال بالثانية يخل بالأولى. فالطاعة والائتلاف والتعاون لها صور حسية في قيام أو اصطفاف أو تماسك بالأيدي أو سير متوازن أو اجتماع ... وهلم جرا. وكلها ذوات خطر.

والمحافظة على الحقيقة يحفظ الصورة، فخطأ وخطل ما يقوله بعض المضلين من أن القصد من العبادات ونحوها معانيها، فلا قيمة لصورها! أجل، لا قيمة لصورها إن كذبت، كالقول الكاذب، لا معنى وراءه، إن صارت الأعمال صورية لا حقائق لها، وهيئات ليس وراءها معان.

يشيع بين بعض المتشدقين تحقير الصور والمحسوسات، وأرى أن هذه الصور هي دلائل الحقائق والموحية بها، والمبينة لها. وخير الأمم من تحافظ على الحقائق والصور، على الحسي والمعنوي، على اللفظ والمعنى.

الجمعة 3 ذي الحجة/15 سبتمبر

نتعلم من غيرنا ولا ننسى أنفسنا

الناس منذ عرفوا أنفسهم في هذا العالم، وعقلوا الحياة على هذه الأرض في تفكير وتجريب، يجمعون بهما علما إلى علم، ويزيدون عملا إلى عمل، وكل لاحق آخذ عمن سبقه، وكل سابق معلم من لحقه.

وفي كل جيل مفكرون يدركون، وعلماء يرشدون وفلاسفة يبتكرون، وسواد الناس تبع، وجمهور الجماعات سائر على الأثر.

وأكثر المفكرين العالمين يفقهون أقوالا قيلت، ويعقلون آراء أثرت، ويذهبون مذاهب مهدت. إنما عملهم التأليف والتوضيح، والترتيب والتنظيم، وزيادات في الحواشي.

Página desconocida