Sharj Bukhnir sobre la doctrina de Darwin
شرح بخنر على مذهب دارون
Géneros
وإنه ليصعب، بل يستحيل علينا أن نعرف كم يخص كلا من هذه الأسباب العديدة من كل من النتائج المختلطة الصادرة عن عملها المشترك. ويظن دارون أنا غالبا لا نعرف شيئا عن النواميس التي تتغير الأحياء بموجبها، وإن ما نستطيعه من ذلك إنما هو التأكيد بوجود هذه النواميس. على أنه مهما كانت فلا يسعنا أن ننكر وجوب حصول تجمع ثابت في التغيرات الطفيفة الموافقة للفرد بواسطة الانتخاب الطبيعي.
13
ولا يظن أن تجمع الصفات الموافقة في الفرد ودوام هذا التجمع فيه يسعيان به نحو الكمال في كل الأحوال، فإنه مهما كان سلطان التحسين والتكميل عظيما فلا تحصل عنه هذه الغاية دائما؛ لأنه قد يكفي أن يكون في الفرد امتياز، ولو قليل المعنى، حتى يقوى على أقرانه، ولو كان أضعف منها في باقي الصفات.
وقد يكون الامتياز أحيانا سببا للانحطاط ككبر القد، والعافية في حين فقد القوت. وعليه، فالارتقاء يصاحب تغيرات الفرد غالبا لا دائما ووجوبا، فربما تقهقر الفرد ووقع في الحئول كما في الدب الأسمر الحالي، فإن أصله دب الكهوف الذي كان أكبر منه وأقوى، ولكنه انحط إلى حالته الحاضرة لتغيرات في سطح الأرض، وفي المسكن، والقوت ... وما شاكل. وكذلك الديدان البطنية فإن أصلها من دودة كانت سابقا في الخارج أكمل منها، ولكنها فقدت بعض أعضائها لتغير جنس معيشتها في القناة الهضمية فانحطت. والسريبيد (حلزون مائي) الذي كان له قوقعة كلسية لما كان مستقلا فتعرى من قوقعته إذ صار حلميا يعيش على حيوانات أخرى، وذلك نتيجة الانتخاب الطبيعي؛ لأن القوقعة النافعة له في الحالة الأولى لا تنفعه في الثانية، بل ربما أضرته إذ تزيده ثقلا لا معنى له. وعلى ذلك، فكل جزء لا يعود فيه فائدة يفقد رويدا رويدا.
ولنا في جعلان جزيرة مديرا شاهد على ما يحصل من الضرر بسبب الامتياز، فقد قال دارون: إن غالب الجعل هناك لا يطير لنقص في جناحيه؛ وسبب ذلك عنده أن ما كان منه قادرا على الطيران يسوقه الريح ويلقيه في البحر فيهلكه، ولا يبقى منه إلا العاجز، فينتقل تكوينه منه إلى نسله وهو لا يخرج من مكانه إلا بعد طلوع الشمس وانكسار شدة الريح، ويكثر قيامه في الأماكن الرطبة بجانب الصخور التي تقيه من الريح، وإذا وجد منه ما يطير في بعض الأماكن في الجزيرة المذكورة كان جناحاه قويين جدا لمقاومة الرياح. فذلك شاهد على الانتخاب الطبيعي مشتركا مع عدم استعمال الأعضاء.
فمن هذه الأمثلة وكثير غيرها يعلم أن الانتخاب الطبيعي لا يؤدي إلى الارتقاء دائما، وإن أدى إليه غالبا. على أن الارتقاء كثيرا أو قليلا في العالم العضوي لا حقيقة له واضحة، ويلزم الانتباه إلى ذلك إذا نظر إلى الشيء على مذهب دارون، فإن الحال المناسب في ظروف معلومة من الزمان والمكان قد لا يناسب في غيرها، فإن التكوين الكامل إذا كانت أحوال الوجود بسيطة يكون نقصا لا امتيازا؛ ولذلك كان الانتخاب الطبيعي يجعل في مثله والحالة هذه تقهقرا لا ارتقاء. ولا ننس ما قلناه سابقا، وهو أن الانتخاب لا يكون في كل قوته إلا حيث يكثر ازدحام الأحياء المتنازعة؛ ولهذا السبب كان وقوف بعض الأنواع وارتقاء البعض الآخر، فإنه قد يعرض لبعض الأنواع أن يكون بمعزل عن كل منازعة؛ لشدة بساطة أحوال حياته فيبقى ثابتا غير متغير، كالحيوانات الرخوة الدنيئة التي لم تزل واقفة على درجة واحدة في سلم الحياة منذ زمان طويل جدا، وهكذا غيرها مما لم يتغير إلا قليلا جدا، وربما كانت صور قريبة منها موجودة، ولكنها ارتقت سريعا، ولم تبق أصولها. ولا ننس أيضا أن الحركة البطيئة التي يصدر عنها العالم العضوي لم تسكن قط، وأنها ما زالت كما كانت صاعدة من البسيط إلى المركب، وأنه لا تزال صور جديدة أولية تتولد أيضا وتنمو على مقتضى نواميس النمو في الطبيعة.
فمما تقدم يعلم لماذا لا يزال كثير من الصور غير كامل، وفي حالة دنيئة جدا في مدى الأدوار الجيولوجية على رغم الانتخاب الطبيعي. وقد كاد مذهب دارون يضعف لأجل ذلك، لولا أنهم وافوه بالتعليل الشافي من هذا القبيل؛ فإن هذه الصور الثابتة أو المتغيرة قليلا لا وجود لها إلا في عديمات الفقر؛ أي في أدنى طبقات الحيوان. وأما ذوات الفقر - ومنها الإنسان - فتسير دائما نحو الكمال إلا فيما ندر كذوات الجراب منها، فإنها قلما تغيرت عما كانت عليه في الدور اليوراوي
14
الذي كان ظهورها فيه. وبحسب القاعدة التي وضعها ليل أن الصور العضوية تكون أثبت كلما كانت أدنى في سلم الحياة، وأشد تغيرا كلما كانت أعلى؛ وسبب ذلك في الصور الدنيا بساطتها من حيث التركيب وقبول التأثير من جهة، وعدم تغير أحوال حياتها الخارجية من جهة أخرى. وأما في الصور العالية فسببه اختلاط تركيبها وشدة انفعالها مع تغير أحوال حياتها الخارجية؛ مما يجعلها متغيرة جدا.
وقد ضرب دارون مثلا لإدراك الرابط الذي يربط الأحياء بعضها ببعض، قال: إنها كشجرة ذات أغصان خضراء متفرعة هي الأنواع الباقية، وأغصان يابسة هي الأنواع المنقرضة. فالأغصان النامية لا تنمو هكذا إلا حتى تضر بغيرها، ولا تنمو أفانينها كذلك حتى تضر بما جاورها أيضا، فلكي تبقى الأنواع نامية لا بد لها من أن تتغير، وكل تباين فهو أشد حيوية من الأصل الصادر عنه، وكل نوع لا يتغير لا يثبت، وإذا زال لا يعود. وكلما كان الجنس قريب العهد في التكوين - أي كلما طال الزمان عليه في الأدوار الجيولوجية حتى تكون - كان أكثر أنواعا؛ أي كان أقدر على الحياة، بخلاف الأجناس التي عهد ظهورها بعيد، فإن أنواعها تقل حتى تتلاشى رويدا رويدا، وأقوى الأحياء ما في دورنا، فإنه لا يثبت أمامه شيء مما تقدمه كما هو معروف في زيلاندة الجديدة.
Página desconocida