Sharj Bukhnir sobre la doctrina de Darwin
شرح بخنر على مذهب دارون
Géneros
وأصحاب المذهب القديم قلما يعتبرون قيمة التباينات، بل بالضد يكرهونها؛ لأنها توقعهم في الارتباك من حيث الترتيب، وأما عند دارون ومن تابعه فهي ثمينة جدا؛ لأنها أصل الأنواع الجديدة. وقد تغيرت طرق الترتيب منذ قيام مذهب دارون، وصار يعتنى كثيرا بالتباينات التي كان يهمل أمرها سابقا؛ لعدم انطباقها على القاعدة المعول عليها عندهم. وقد ذكر ليل في هذا المعنى في كتاب «قدم الجنس البشري» أن أحد تجار الأصداف في لوندرة المتعمق جدا في العلوم الطبيعية، قال له ذات يوم إنه لا يخشى شيئا يقلل قيمة مجموعاته مثل ظهور رسالة في وصف بعض الحيوانات الرخوة الكبيرة وصفا جيدا؛ لأن كل نوع يدخل في صف التباينات لا يعود له مشتر. غير أن ليل يقول أيضا: «ولكن منذ ذلك الزمن زادت قيمة الحقائق العلمية جدا في إنكلترا، حتى كثر الطلب على الصور التي تصل بين الصور المنفصلة بعضها عن بعض انفصالا كبيرا، وأصبحت قيمتها أثمن من الصور الأصلية.»
على أنه لا ينبغي الاستنتاج مما تقدم أن كل تباين يصير نوعا وإن وافقته الأحوال كلا؛ فإن تباينات كثيرة تتلاشى في التصالب أو الانتخاب الطبيعي. ويزعم هكل أن الأنواع كلها غير متساوية في قابليتها للتغيير، فبعضها متغير جدا، وبعضها ثابت، وبعضها متغير إلى حد محدود. وسبب هذا الاختلاف على رأيه أحوال الحياة الخارجية، وكثرة انتشار النوع أو قلته ... وما شاكل ذلك. وعنده أن النوع البشري أكثر الأنواع وفاقا للأحوال.
فهذا ما نبسطه بشأن ما للأحياء من الميل إلى التغير. على أن ذلك لا قيمة له في مذهب دارون إلا بالوراثة التي تنقل الصفات المميزة للأنواع في النسل وأعلم أنها - أي الوراثة - تنقل الأمراض كما تنقل عيوب التكوين، مثل زيادة عدد الأصابع والأظفار، ومثل الجهر وتشقق الجلد، ولادية كانت كما تقدم، أو عارضة كالعيوب الحاصلة عن آفات طارئة. وكما أنها تنقل الصفات الجسدية تنقل الصفات الأدبية كذلك أيضا، كالشهوات، والأميال، والعوائد، والأخلاق، والعقل ... إلى غير ذلك. ومن عجيب أمرها أنها كثيرا ما تقطع الأجيال كامنة وتظهر في الأولاد بعد ذلك، وهذا الأمر يسمى عندهم «الأتافيسم»، ومعناه الرجوع إلى الجد، ونصطلح عليه بالدور الوراثي أو الرجعة، ولا فرق بين أن يكون من جهة الأب أو الأم. والانتقال الوراثي كان معروفا قبل دارون، لكن ليس كما ينبغي لفهم ما يترتب عليه، فكان إذا ذكر منه شيء يذكر على سبيل الغرابة، وأما اليوم فهو من أعظم الأمور التي يعتمد عليها في تاريخ ارتقاء العالم العضوي، وارتقاء الجنس البشري. على أن الأطباء منذ القديم قد انتبهوا إلى الوراثة المرضية، وعرفوا أن غالب الأمراض المزمنة قد يصير وراثيا، ويكمن في الجسد، ولا يظهر حتى سن معلوم كالسل الذي يفشو مع سن البلوغ. وعرفوا أيضا انتقال الأمراض المكتسبة، ولم يجهلوا أمر الدور الوراثي الذي تقرب الأولاد بموجبه من أجدادهم بالأميال والعوائد والأخلاق، والاستعدادات المرضية وصفات أخرى جسدية. قال فيرخو منذ نحو 10 أو 15 سنة في ذلك ما معناه: إن بدن الأب وبدن الأم يكسبان مادة الجرثومة، ومن ثم الولد الصادر عنها، حركة مادية ذات طبيعة خصوصية لا تسكن حتى الموت. وقد عرف أيضا ما سيكون لهذه المسألة من الأهمية، حيث قال: إنها ستكون أصح ما تبنى عليه فلسفة الطبيعة، ولقد أصاب؛ لأنه بالوراثة يتوصل إلى التعليل طبيعيا عن ظواهر كثيرة سواء كان ذلك في حياة الأفراد الجسدية، أو العقلية، أو حياة الشعوب أيضا، مما كان يعمد في تعليله عنه سابقا إلى قوى ما فوق الطبيعة، أو ينسب إلى استعداد في الأحياء لا يدرك، فالإنسان كما هو الآن، وكل ما يملكه ليس إلا نتيجة عمل شاق وبطيء، لم يفتر أبدا على مر الدهور الطويلة، وقائم على انتقال الصفات في الأجيال العديدة بالوراثة، سواء كانت هذه الصفات حسية أو معنوية ولادية، أو مكتسبة ليس إلا.
فالوراثة مهمة جدا في مذهب انتقال الأنواع، قال دارون في هذا المعنى ما نصه:
إذا كان من المقرر أن الاختلافات حتى أكثرها شذوذا، والتي لا تنطبق على جنس معلوم كنقص بعض الأصابع والأظفار أو زيادتها، وكالجهر وتشقق الجلد وغيرها، تنتقل في النسل بحرص، فكم بالحري ينبغي أن يكون كذلك في الاختلافات العادية التي يصح عليها جليا ناموس الوراثة الشامل لكل الصفات الفردية.
على أنه يقر بأن نواميس الوراثة الخاصة لا تزال مجهولة كليا، وعلى المستقبل أن يرفع الحجاب عن مكنوناتها.
11
وقد وصلنا الآن إلى آخر قضية من مذهب دارون وأهمها، وهي:
الانتخاب الطبيعي
ويسميه «برن» التحسين الطبيعي أيضا. ولا يكون إلا إذا كان للاختلافات الحاصلة في الفرد معنى في تنازع البقاء؛ فإن الاختلافات الفردية تكون ضرورة على إحدى ثلاث حالات: إما نافعة للمنازع، أو مضرة له، أو لا نافعة ولا مضرة، ففي الحالة الأخيرة لا يكون لها معنى فبقاؤها وعدمه على حد سوى. وكذلك أيضا إذا كانت مضرة؛ لأن الاختلاف الذي يحصل والحالة هذه تكون نتيجته أحد أمرين: إما ملاشاة الفرد، وإما ملاشاة الصفة. وتختلف نتيجته إذا كان نافعا، فيمتاز الفرد به على إخوانه وخصومه في تنازع البقاء، وينتقل هذا الامتياز إلى نسله وينمو فيه على مرور الأجيال. وهذا الامتياز في تنازع البقاء لا يحصل إلا بعد جهد جهيد، فلكي يؤلف الفرد به نوعا جديدا لا يكفي امتيازه به مرة واحدة، بل يلزم لذلك أحيانا مائة جيل أو ألف جيل، أو عشرة آلاف جيل. وهذا الأمر يعتبر جدا في مذهب دارون، فإن الزمان في تاريخ الأرض ومتكوناتها له المقام الأول، وإنا ليتولانا الذعر إذا افتكرنا في عدد السنين الذي اقتضاه تعاقب الأدوار الجيولوجية، فوجودنا بالنظر إلى ذلك لا يكاد يحسب لحظة.
Página desconocida