[مناقشة حسنة في إبطال قول أهل الطبع في أن العالم يحيل بعضه بعضا]
لأنا نقول لهم: مامعنى قولكم في العالم إنه يحيل بعضه بعضا؟ تريدون أنه يفعل بعضه بعضا، فقد صح أن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، وما أضفتم إليه الفعل من الطبائع غير حية ولا قادرة.
وقولكم في الحاصل منها: إنه يحصل بالطبع، لا يرجع إلى أمر معقول، ونفي ما لا يعقل أولى من إثباته؛ لأنا نقول: أعلمونا بالطبع ما هو؟ والإحالة إن رجعتم إليها هل شيء أم غير شيء؟.
فإن قلتم: غير شيء.
فإضافة الأفعال المتقنة إلى غير شيء تأباها العقول السليمة.
وإن قلتم: هي شيء.
قلنا: فما ذلك الشيء موجود أو معدوم؟.
فإن قلتم: معدوم.
قلنا: ذلك محال؛ لأنا نعلم تعذر الفعل من العادم للقدرة مع وجود ذاته وحياته؛ كالمريض المدنف، فكيف بصحة الفعل مع عدم الذات؟!، هذا أبعد في العقول.
وإن قلتم: إنه موجود.
قلنا: لا يخلو ذلك الموجود، إما أن يكون لوجوده أول أو لا أول لوجوده، لأن الموجود لا بد له من أحد هذين الأمرين، فإن كان لا أول لوجوده وجب قدمه، لأنا لانريد بقولنا في الباريء -تعالى-: إنه قديم إلا أنه موجود لا أول لوجوده.
فإن قلتم: إنه غير الباريء
وجب أن يكون ثانيا معه فستأتي الدلالة على نفي الثاني فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وإن قلتم: إنه الباريء.
قلنا لكم: فهذه عبارة فاسدة لأن الباريء -سبحانه-، لا يسمى في اللغة والشرع والعرف طبعا ولا إحالة، وكان الخلاف بيننا وبينكم في عبارة فارغة.
Página 74