[السبب في نفي الطبائعية للصانع]
فكان السبب في إعتقادهم هذا الفاسد -والله أعلم- أنهم رأوا الولد لا يحصل إلا باجتماع الذكر والأنثى، وأن النبات لا ينمو إلا باجتماع الطين والماء، إلى غير ذلك، وقولهم هذا : لا يخرج الفاعل عن كونه فاعلا، كما قدمنا مثاله في الواحد منا، ألا ننظر([31]) إلى هذه الأعاجيب المتقنة، والصور البديعة، والألوان المختلفة، والبنا([32]) المركبة، التي يعجز العباد مع قدرتهم وعلمهم عن وصل المنفصل منها فضلا عن إيجاده منظوما مرتبا في غاية الإحكام، ومعلوم أن العلة عند من أثبتها غير حية ولا قادرة، ولا حكيمة ولا عالمة، وكيف يخفى ما ذكرنا على عاقل متأمل؟ أنظر إلى بنية الجنين في القرار المكين وما فيه من التفصيل والتوصيل، والمخارق لمداخل الأغذية، ومخارج الفضلات المؤذية، وحصول ذلك شيئا بعد شيء كما نبه على ذلك سبحانه بقوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين(12)ثم جعلناه نطفة في قرار مكين(13)ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)}[المؤمنون]، ثم علم ضعفه عند خروجه، فسوى له في صدر أمه غذاء يلائمه، لا يؤذيه تناوله، وألهمه له عند خروجه أبتداء منه برحمته، وأغناه به حتى يقدر على تناول ما سواه من أنواع رحمته، هل عقل سليم يضيف هذا إلى علة موجبة وينفيه عن صانع، مختار، عالم، حكيم لا يمتنع عن قدرته مراده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟ وأنبأ أنهم أثبتوه لغير برهان وإنما عولوا فيه على مجرد الوجدان، وكفى بالمذهب فسادا أن لا يقوم على صحته دليل.
Página 73