Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
ثم اختار سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله لقاءه ، ورضي له ما عنده ، وأكرمه عن دار الدنيا ، ورغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما ، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها - إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ، ولا علم قائم - كتاب ربكم ، مبينا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ؛ مفسرا جمله ، ومبينا غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، ومرخص في الكتاب تركه ، وبين واجب لوقته ، وزائل في مستقبله ، ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه . وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه .
الشرح : قوله عليه السلام : نسلت القرون . والهاء في قوله : لإنجاز عدته ، راجعة إلى البارئ سبحانه . والهاء في قوله : وإتمام نبوته ، راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : مأخوذ على النبيين ميثاقه ، قيل : لم يكن نبي قط إلا وبشر بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذ عليه تعظيمه ؛ وإن كان بعد لم يوجد . فأما قوله : وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة ، فإن العلماء يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس أصناف شتى في أديانهم : يهود ، نصارى ، ومجوس ، وصابئون ، وعبدة أصنام ، وفلاسفة ، وزنادقة .
أديان العرب وفرقهم في الجاهلية
فأما الأمة التي بعث صلى الله عليه وسلم فيها فهم العرب ، وكانوا أصنافا شتى ، فمنهم معطلة ، ومنهم غير معطلة .
فأما المعطلة منهم ، فبعضهم أنكر الخالق والبعث والإعادة ، وقالوا ما قال القرآن العزيز عنهم : ' ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ' ، فجعلوا الجامع لهم الطبع ، والمهل لهم الدهر . وبعضهم اعترف بالخالق سبحانه وأنكر البعث ، وهم الذين أخبر سبحانه عنهم بقوله : ' قال من يحيي العظام وهي رميم ' . ومنهم من أقر بالخالق ونوع من الإعادة ، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام ، وزعموا أنها شفعاء عند الله في الآخرة ، وحجوا لها ، ونحروا لها الهدي ، وقربوا لها القربان ، وحللوا وحرموا ، وهم جمهور العرب ، وهم الذين قال الله تعالى عنهم : ' وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ' .
فممن نطق شعره بإنكار البعث بعضهم يرثي قتلى بدر :
فماذا بالقليب قليب بدر . . . من الفتيان والقوم الكرام !
وماذا بالقليب قليب بدر . . . من الشيزى تكلل بالسنام
أيخبرنا ابن كبشة أن سنحيا . . . وكيف حياة أصداء وهام !
إذا ما الرأس زال بمنكبيه . . . فقد شبع النيس من الطعام
أيقتلني إذا ما كنت حيا . . . ويحييني إذا رمت عظامي !
وكان من العرب من يعتقد التناسخ وتنقل الأرواح في الأجساد ، ومن هؤلاء أرباب الهامة ، التي قال عليه السلام عنهم : ' لا عدوى ولا هامة ولا صفر ' . وقال ذو الأصبع :
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي . . . أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
Página 77