Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
ولقائل أن يقول : إنه ليس في فحوى كلامه أنه أمر غيره أن يحمد الله ، وليس يفهم من قول بعض رعية الملك لغيره منهم : العظمة والجلال لهذا الملك أنه قد أمرهم بتعظيمه وإجلاله . ولا أيضا في الكلام ما يدل على أنه ثابت على ذلك مدة حياته ، وأنه يجب على المكلفين ثبوتهم عليه ما بقوا .
ولا أعلم كيف وقع ذلك للراوندي ! فإن زعم أن العقل يقتضي ذلك فحق ؛ ولكن ليس مستفادا من الكلام ، وهو إنما قال : إن ذلك موجود في الكلام .
فأما قوله : لو كان قال : أحمد الله لم يعلم منه جميع ذلك ، فإنه لا فرق في انتفاء دلالة أحمد الله ، على ذلك ودلالة الحمد لله ، وهما سواء في أنهما لا يدلان على شيء من أحوال غير القائل ، فضلا عن دلالتهما على ثبوت ذلك ودوامه في حق غير القائل . وأما قوله : الله أخص من الإله ، فإن أراد في أصل اللغة ؛ فلا فرق ، بل الله هو الإله وفخم بعد حذف الهمزة ، هذا قول كافة البصريين ، وإن أراد أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الأصنام لفظة الآلهة ، ولا يسمونها الله فحق ، وذلك عائد إلى عرفهم واصطلاحهم ، لا إلى أصل اللغة والاشتقاق ؛ ألا ترى أن الدابة في العرف لا تطلق على القملة ، وإن كانت في أصل اللغة دابة ! فأما قوله : قد أظهر العجز عن القيام بواجب مدائحه فكيف بمحامده ! فكلام يقتضي أن المدح غير الحمد ، ونحن لا نعرف فرقا بينهما ، وأيضا فإن الكلام لا يقتضي العجز عن القيام بالواجب ، لا من الممادح ولا من المحامد ؛ ولا فيه تعرض لذكر الوجوب ، وإنما أن يبلغ القائلون مدحته ، لم يقل غير ذلك .
وأما قوله : الذي حقت العبادة له في الأزل واستحقها حين خلق الخلق ، وأنعم بأصول النعم ، فكلام ظاهره متناقض ، لأنه إذا كان إنما استحقها حين خلق الخلق ، فكيف يقال : إنه استحقها في الأزل ! وهل يكون في الأزل مخلوق ليستحق عليه العبادة ! .
واعلم أن المتكلمين لا يطلقون على البارئ سبحانه أنه معبود في الأزل أو مستحق للعبادة في الأزل إلا بالقوة لا بالفعل ، لأنه ليس في الأزل مكلف يعبده تعالى ، ولا أنعم على أحد في الأزل بنعمة يستحق بها العبادة ، حتى إنهم قالوا في الأثر الوارد : يا قديم الإحسان : إن معناه أن إحسانه متقادم العهد ، لا أنه قديم حقيقة ، كما جاء في الكتاب العزيز : ' حتى عاد كالعرجون القديم ' ، أي الذي قد توالت عليه الأزمنة المتطاولة .
ثم قال الراوندي : والحمد والمدح يكونان بالقول وبالفعل ، والألف واللام في القائلون لتعريف الجنس ، كمثلهما في الحمد ، والبلوغ : المشارفة ، يقال : بلغت المكان إذا أشرفت عليه ، وإذا لم تشرف على حمده تعالى بالقول فكيف بوصول إليه بالفعل ! والإله : مصدر بمعنى المألوه .
ولقائل أن يقول : الذي سمعناه أن التعظيم يكون بالقول والفعل وبترك القول والفعل ، قالوا : فمن قال لغيره : يا عالم فقد عظمه ومن قام لغيره فقد عظمه ، ومن ترك مد رجله بحضرة غيره فقد عظمه ، ومن كف غرب لسانه عن غيره فقد عظمه . وكذلك الاستخفاف والإهانة تكون بالقول والفعل وبتركهما حسب ما قدمنا ذكره في التعظيم .
فأما الحمد والمدح فلا وجه لكونهما بالفعل ، وأما قوله : إن اللام في القائلون لتعريف الجنس ؛ كما أنها في الحمد كذلك فعجيب ؛ لأنها للاستغراق في القائلون لا شبهة في ذلك كالمؤمنين والمشركين ، ولا يتم المعنى إلا به ؛ لأنه للمبالغة ، بل الحق المحض أنه لا يبلغ مدحته كل القائلين بأسرهم . وجعل اللام للجنس ينقص عن هذا المعنى إن أراد بالجنس المعهود ، وإن أرادالجنسية العامة ، فلا نزاع بيننا وبينه ، إلا أن قوله : كما أنها في الحمد كذلك ، يمنع من أن يحمل كلامه على المحمل الصحيح ؛ لأنها ليست في الحمد للاستغراق ، يبين ذلك أنها لو كانت للاستغراق لما جاز أن يحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الناس ، وهذا باطل .
وأيضا فإنها لفظ واحد مفرد معرف بلام الجنس ، والأصل في مثل ذلك أن يفيد الجنسية المطلقة ، ولا يفيد الاستغراق ، فإن جاء منه شيء للاستغراق ، كقوله : ' إن الإنسان لفي خسر ' ، وأهلك الناس الدرهم والدينار ، فمجاز ، والحقيقة ما ذكرناه . فأما قوله : البلوغ المشارفة ، يقال : بلغت المكان إذا أشرفت عليه . فالأجود أن يقول : قالوا : بلغت المكان ؛ إذا شارفته ؛ وبين قولنا : شارفته ، وأشرفت عليه فرق .
Página 45