Sharh al-Wasiyya al-Kubra by Ibn Taymiyyah - Al-Rajhi
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
Géneros
معنى صلاة الله على نبيه محمد ﷺ
قوله ﵀: (ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وسيد ولد آدم ﷺ.
ونسأل الله ﷿ أن يصلي على خاتم النبيين، محمد رسول الله ﷺ، الذي ليس بعده نبي، قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:٤٠]، فمن اعتقد أن بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين، وكذلك من زعم أن رسالته خاصة بالعرب، أو أنه ليس برسول إلى العرب والعجم، أو أنه ليس رسولًا إلى الجن، بل هو رسول الله إلى العرب والعجم والجن والإنس، قال ﷾: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ:٢٨]، وقال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان:١] وهذا عام، وقال سبحانه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩].
فرسالة نبينا محمد ﷺ رسالة عامة لجميع الثقلين الجن والإنس، العرب والعجم، وأصح ما قيل في صلاة الله على نبيه، ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية أنه قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
ومنهم من قال: الصلاة بمعنى الرحمة، ومنهم من قال: إنها تشمل الرحمة والثناء جميعًا، ورسول الله ﷺ هو سيد ولد آدم، وآدم أبو البشر خلقه الله من طين، وخلق ذريته من ماء مهين، وهو النطفة المكونة من ماء الرجل وماء المرأة عندما يلتقيان في الرحم، وماء الرجل يخرج من الصلب، وماء المرأة يخرج من الترائب وهي: عظام الصدر، فيجتمعان فيخلق الله منه الولد، قال الله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق:٧] وسائر بني آدم مخلوقون من ماء الرجل وماء المرأة إلا عيسى ﵇ فإنه خلق من أم بلا أب، فقد أمر الله جبريل أن ينفخ في جيب درع مريم، فولجت النفخة إلى فرجها فحملت بإذن الله، قال الله ﷾: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم:١٢] أي: النفخ كان في الفرج.
وقال سبحانه: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ [مريم:١٦ - ١٩]، وآدم مخلوق من تراب خلط بالماء فصار طينًا، ثم يبس فصار صلصالًا كالفخار له صلصلة وصوت، وسيد ولد آدم هو رسول الله ﷺ، كما قال ﵊ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، وهذا إخبار عن مكانته ومنزلته عند الله؛ لأنه ليس بعده نبي يخبرنا، وقوله ﷺ: (ولا فخر) تواضع منه ﵊.
1 / 14