<div dir="rtl" id="book-container">
ما علم تواتره من علوم الملة إلا بكثرة الرواية وتكرارها على تكرار الأزمنة، وما علم أن الموطأ لمالك بن أنس وأن أحد الصحيحين البخاري ومسلم إلا بالرواية، ولولاها لم يكن لنا وثوق بشيء من ذلك وهكذا سائر الكتب المؤلفة والفتاوى المقيدة، لكن شرطها في الكتب التصحيح والضبط وأهمل في هذه الأزمنة هذا الشرط لكساد سوق العلم واقتصار أهله على المظنون من مضمنها دون المعلوم وإلى هذا الشرط إشارة إجازة المجيزين في إجازتهم لقولهم على شرط ذلك عند أهله فصارت فائدة الرواية عند إهمال هذا الشرط إنما هي حفظ الرسوم المجملة دون المسائل التفصيلية إلا ما خصصته الرواية منها وعينته بشرطها فتكون الرواية فيها على كمالها وهي القرآن العظيم، والحمد لله تعالى على منهجها القويم وصراطها المستقيم، وتواترها في الحديث كما في القديم، إلى بركة الانتهاء إلى المقام العلي الأعظم، والانتظام في السلك النبوي أن يقول القارئ والمحدث أروي عن شيخي فلان عن فلان إلى أن يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام عن رب العزة، وحسبك بهذا شرفا تتعلق به لذوي الآمال آمال، وتبذل في تعاطيه الأموال. ويكفي هنا هذا القدر من الكلام، فإنه وإن طال يقصر عن هذا المقام، والعجب من مسلم ينكر الرواية وهي نور الإسلام.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
انتهى وستعلم إن شاء الله من الفرائد الآتية ما يوضح ما قررناه ويؤيد ما ذكرناه ومما يأتي ذكره في أواخر المقصد.
تنبيه
كانت السنة في القرون الأولى تؤخذ من أفواه الشيوخ وقلما كان الرواة يثقون بالخطوط وكان اتصال سند الراوي بالرسول مع عدالة المروي عنهم وكان ضبطهم أمرا لا محيص عنه حتى يحوز الحديث درجة الصحة، فلما أن صنفت كتب الصحاح المشهورة وذاعت في الأقطار المختلفة قامت شهرتها مقام تواترها فلم تبق حاجة لاتصال السند منا إلى مصنفيها في كل حديث دون فيها وأصبح الاعتماد على الكتاب فوق الاعتماد على الشيوخ.
Página 22