كثيرة أخل بها أبو عبيد؛ وشرحها وبسط القول فيها وذكر أشياءً كثيرة زعم أنه أخذها على أبي عبيْد وأودعها كتابه وبينَّ وجه الصواب فيها عنده (١)، ثم جاء أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البُسْتي، فجمع أحاديث أخر لم يذكرها واحد من هؤلاء الأئمة المذكورين؛ فشرحها وبسط القول فيها وأجاد [رحمه] (٢) اللَّه -تعالى- فيما قاله، وَبَيَّنَ أشياء كثيرة من أقوالهم وأظهر الصواب فيها. ثم جاءَ بأخرةٍ أبو القاسم: محمود بن عمر الزمخشري فصنف كتاب "الفائق في غريب الحديث" وذكر أشياءً كثيرة لم يذكرها السابقون؛ لكنه أعاد أكثر ما ذكروه من الأحاديث فأحسن شرحه ورتب كتابه أحسن ترتيب (٣).
وغير هؤلاء من الأئمة ممن تصدى لشرح غريب الحديث -ممن وقفنا على كتبهم وممن لم نقف له على كتاب- فإنهم وإن كانوا جماعة فإن المشهور منهم هم هؤلاء المذكورون، وأما من عدا هؤلاء من الأئمة والعلماء ممن شرح الحديث؛ فإن فيهم كثرة لا يمكن حصرهم وإثباتهم. إلا أن منهم مَنْ شرح أحاديث تتعلق بالأحكام الشرعية عند ذكرهم إياها في معرض الاستدلال ليستنبطوا منها الأحكام المطلوبة؛ ولم يخصوا تلك الأحاديث بكتاب مفرد؛ وهؤلاء هم أئمة الفقه، كَثَّر منهم اللَّه وأرشدهم - وقد فعل. ومنهم من قصد إلى شرح كتب الأحاديث المدونة كما فعله: أبو سليمان الخطابي في شرح صحيح البخاري في كتابه الذي سماه "أعلام السُّنَّة" وفي كتابه الذي سماه
_________
(١) قال المصنف في ترة كتاب النهاية (١/ ٦):
صنف -ابن قتيبة- كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار حذا فيه حذو أبي عبيد، ولم يودعه شيئًا من الأحاديث المودعة في كتاب أي عبيد إلا ما دعت إليه حاجة من زيادة شرح وبيان أو استدراك أو اعتراض؛ فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه.
(٢) في الأصل [علم] وهو تحريف والسياق غير مستقيم والجادة ما أثبتناه، وهو موافق لما سطره المصنف في ديباجة كتابه "النهاية".
(٣) انظر مقدمة المصنف لكتابه "النهاية" فقد أشبع القول هناك في بيان هذه المسألة ولولا الإطالة لنقلت كلامه كاملًا فهو نفيس.
1 / 27