El Poeta del Amor Omar Ibn Abi Rabia

Abbas Mahmud al-Aqqad d. 1383 AH
20

El Poeta del Amor Omar Ibn Abi Rabia

شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة

Géneros

فالرجل المغرم بحديث النساء ومجالستهن ومناوشتهن يقصد الجنس ولا يقصد الشخصية، ويستطيع أن يرضي شعوره هذا دون أن يتقيد بأخلاق الوفاء وآداب العشق وخصال التضحية والصبر والتعذيب النفسي، الذي لا معنى له عند من يتحدث اليوم إلى امرأة أو نساء كثيرات متجمعات، ويتحدث غدا إلى امرأة أخرى أو نساء كثيرات أخريات.

أما الرجل الذي «يفرز» بحبه امرأة دون غيرها ففي نفسه عوامل أدبية وعهود أخلاقية وبواعث روحية لا موضع لها في الحالة السابقة ولا حاجة إلى التعبير عنها في شعر الغزلين المولعين بجميع النساء، إلا على سبيل التجمل بالمحاكاة.

فالمدرستان مختلفتان أيما اختلاف في مقاييس الشعور ومقاييس الجنس ومقاييس الأخلاق، ولا يجمع بينهما إلا تشابه الكلام في ظاهره دون التشابه في الباعث والاتجاه.

ولا يقدح فيما تقدم من التفريق أن بعض العشاق يخون وأن بعض اللاهين بالغزل يعشقون، فقد علمنا أن يزيد بن الطثرية أحب امرأة حتى أشرف على الهلاك، وأن عمر تزوج ببعض من كان ينسب بهن. كما علمنا أن كثيرا امتحن في حبه فظهر غدره وقلة وفائه، وهذا وذاك جائزان في الطبائع الآدمية ولكنهما لا ينقضان الحقيقة التي لا جدال فيها، وهي أن طبيعة العشق غير طبيعة اللهو والغزل، وأن نفس الرجل الذي يعشق امرأة واحدة غير نفس زير النساء المشغوف بالسمر الأنثوي والمناوشة الجنسية. كالفندق يتفق في أيام أن ينفرد بالإقامة فيه نازل واحد، وكالبيت يتفق في أيام أن ينزل فيه ضيوف كثيرون، ولكن هذا لا يمنع أن الفندق غير البيت وأنهما يختلفان في البناء والتأثيث والإدارة والغرض والمعاملة، وأن التشابه بينهما من المصادفات وليس من النظام المطرد في جميع الأحوال.

إن العاشق الذي يخون حبيبته لا يشبه زير النساء الذي يتصل بنساء كثيرات؛ لأن خيانة العاشق المفرد معناها أنه مطالب بالوفاء والعكوف على حب امرأة واحدة فإذا خان هذه المرأة الواحدة لم يصبح زير نساء بل أصبح عاشقا مخلا بالوفاء.

أما الآخر الذي يتصل بنساء كثيرات فلا يقال فيه إنه مخل بالوفاء ولا يواجه المرأة بالعاطفة التي تقبل الوفاء. فهما في صميم الاستعداد مختلفان، وإن كانا في ظاهر الفعل متشابهين. •••

وقد كان عمر بن أبي ربيعة إمام مدرسة اللاهين بالغزل غير مدافع، أو كان أصلح زملائه لإتقان هذه الصناعة؛ لأنه كان على يسار يعينه على اللهو والفراغ، وكان على وسامة مقبولة وشأن يرفع من شأن غزله في قلوب النساء، وكان للوراثة دخل في غزله إذا صح ما قيل في ترجمة حياته إن أمه «كانت أم ولد يقال لها مجد سبيت من حضرموت أو من حمير، ومن هناك أتاه الغزل إذ يقال غزل يمان ودل حجازي...» وقد تقدم من وصف غزل اليمانية في بدوهم وحضرهم ما يزكي هذه الملاحظة ويعززها. فإذا نحن أضعفنا قول القائلين بانتقال الأخلاق من الأمهات إلى الأبناء من طريق الوراثة وهو غير ضعيف في حكم العلم ولا في حكم التجربة؛ فليس في وسعنا أن نضعف القول بتأثير العادة وانتقال الأخلاق من طريق الملازمة والمشاهدة.

وربما رشحه للسبق في هذه الصناعة جانب أنثوي في طبعه يظهر للقارئ من أبياته الكثيرة، التي تنم على ولع بكلمات النساء واستمتاع بروايتها والإبداء والإعادة فيها، مما لا يستمرئه الرجل الصارم الرجولة. وأدل من ولعه بكلمات النساء على الجانب الأنثوي في طبعه أنه كان يشبههن في تدليل نفسه وإظهار التمنع لطالباته كما يبدو من قوله:

قالت ثريا لأتراب لها قطف

13

Página desconocida