وترددت لحظة، ثم أنشأت تشرح لي ما غمض علي أول وهلة، وأنصت إليها باهتمام حتى أدركت كل شيء، وأخذت أفيق من ذهولي رويدا رويدا. ولست أخفي أني شعرت بارتياح إلى اقتراح الأم، فهو يزيل عقبة من سبيلي، ويخليني من بعض المسئولية، ويعفيني من مراقبة الأم، ولا أظنها تسأل بعد ذلك عن شيء .. وسألت زوجي بحياء: وكيف نخبر صباح؟
فقالت ببساطة: لقد حضرت صباح جانبا من حديث أمي.
فهتفت بحياء وانزعاج: كيف؟ .. كيف بالله؟!
فقالت مبتسمة: لا عليك من هذا، إنها أمي أيضا ولا نخفي عنها شيئا.
وتبادلنا نظرا طويلا صامتا .. ثم سألت في إشفاق: وهل علم أحد من الآخرين؟
قالت بلهجة لا تدع مجالا للشك: مطلقا!
فداخلني ارتياح، ولكن شعرت بحاجة إلى مزيد من الاطمئنان، فقلت بلهجة ذات معنى: أرجو ألا تخرج «أسرارنا» من هذا الباب!
فحدجتني بنظرة عتاب وتساءلت: أيداخلك في هذا الشك؟!
43
ولكن ليس هذا كل شيء في الزواج، وكيف يكون كل شيء وهو «واجب» قامت به صباح؟! وتساءلت في سذاجة مضحكة عما ينقص حياتي الزوجية؟ وهل هو ضروري لهذه الحياة؟! ومن عجب أنني ترددت عن الجزم! وتساءلت: ألسنا سعداء؟! نحن نعيش في هناء وغبطة ، ويحب كلانا صاحبه حبا لا حد له، ولا يداخل أحدا شك في سعادتنا، فلماذا تزعجني الأوهام؟! ولكن الإنسان موكل دائما بالتفكير فيما ينقصه، حتى لينسى ما بين يديه بما هو بعيد عن يديه، فلم تزايلني الوساوس، ولم أستنم لحياتي. وفي ليلة من الليالي، وكنت مضطجعا على ظهري أراود النوم وقد رنق الكرى بجفني حبيبتي، طاف بي الفكر مسارح بعيدة حتى نسيت ما حولي أو كدت، فساورني شعور بالوحدة، قواه في نفسي ما يحيط بي من ظلمة، ورويدا وجدت حياة تدب في جسدي، كتلك الحياة التي كانت يستثيرها الظلام والوحدة. وسرعان ما استخفني الفرح فكدت أصيح من فرط سروري، ثم أقبلت على حبيبتي النائمة أوقظها بالقبل حتى فتحت عينيها في انزعاج استحال دهشة، ومرت ثوان قبل أن تستفيق من دهشتها، ثم مدت ذراعيها إلى عنقي فضممتها إلى صدري بلهفة وشوق، ولكني ما كدت أفعل حتى عاد كل شيء إلى أصله، وزحف الموت البارد على جسدي حتى شمله في أقل من ثانية، وانقلبت إلى حيرة خرساء وخجل مخز! وتبادلنا نظرة غريبة على ضوء المصباح الخافت، وبدا في وجهها أنها لا تفهم شيئا، فسألتني: أكنت تحلم؟
Página desconocida