وجلس على الكنبة غير بعيد. كان طويلا نحيلا، في الخمسين من عمره، له قامة حبيبتي وعيناها؛ فسرعان ما أحببته، وكان يتلفع بعباءة فضفاضة ضاربة للحمرة، ويسطع من راحتيه عطر زكي، ونظر إلي مبتسما وقال مرحبا: شرفتنا يا أستاذ كامل .. أهلا وسهلا!
فقلت بامتنان: شكرا لك يا بك!
ترى هل علم بالغرض من الزيارة؟ .. هل سمع قبل الآن بهذا الاسم الذي قرأه في البطاقة؟
على أنه مهما يكن أمره فلا مناص من مفاتحته في الموضوع كما لو كان يجهله. وكنت قد كتبت صورة مما ينبغي قوله كما تصورته ، وقرأتها مرارا حتى حفظتها قبل مغادرة البيت، فقلت بصوت منخفض: إني آسف على إزعاجي سعادتك بهذه الزيارة على غير سابق معرفة!
فقال والابتسامة اللطيفة لا تفارق شفتيه الرقيقتين: إني تشرفت بمعرفتك يا أستاذ كامل! .. ترى أحضرتك من حينا هذا؟
فقلت وقد سررت بما هيأ لي من سبب للحديث: نعم يا بك، إني من سكان منيل الروضة. - حي هادئ لطيف.
فقلت وقد آنست إليه: وإني من مواليده أيضا، وقد أقام به جدي الأميرالاي عبد الله بك حسن منذ أكثر من سبعين عاما.
فقال متفكرا: عبد الله بك حسن! .. أظنني سمعت بهذا الاسم! أهو جدك لوالدك؟
فقلت مضطربا: كلا، إنه جدي لأمي، أما أبي فمن أسرة لاظ. - وهل كان ضابطا أيضا؟
فقلت وقد تزايد قلقي: كلا .. كان أبي رحمه الله من الأعيان.
Página desconocida