فقطب نيقولا وجهه ولم يزد.
وأدرك يوري معنى صمت أبيه، وقال متحديا له قبل أن يفكر في عواقب جوابه: «لا شيء في الوقت الحاضر.»
فسأله نيقولا ووقف: «ماذا تعني بلا شيء.» ولم يرفع صوته ولكن لهجته كانت تحمل في ثناياها تأنيبا مستورا مؤداه: «كيف تقول مثل هذا الكلام؟ أمكره أنا دائما أن أتركك معلقا بعنقي؟ كيف تنسى أني شيخ هرم، وأنه آن أن يكون لك مرتزق؟ لست أقول شيئا. عش كما بدا لك، ولكن ألا تستطيع أن تفهم؟»
وعلى قدر إحساس يوري بأن أباه على حق فيما يجري بخاطره كان استياؤه فقال وهو محنق: «نعم لا شيء. ماذا تنتظر أن أصنع؟»
وهم نيقولا أن يكر عليه بجواب مؤلم ولكنه لم ينبس ولم يزد على أن هز كتفيه وعاود خطاه المنتظمة من ركن إلى ركن، وكان أحسن أدبا من أن ينازع ابنه في يوم أوبته.
وراقبه يوري بعينين متقدتين وهو لا يكاد يضبط نفسه، فلو سنحت له أضأل فرصة لنازل أباه.
وكادت لياليا تبكي وجعلت تنقل لحظها بين أخيها وأبيها مستعطفة راجية.
وفطن ريازانتزيف أخيرا إلى الأمر، وأدركه العطف على لياليا فحول الحديث إلى مجرى آخر تحويلا ليس فيه حذق ولا خفة.
وزحف الليل بطيئا ثقيلا.
وكان يوري لا يريد أن يعترف بأنه ملوم، إذ كان لا يشايع أباه على أنه لم يكن من شأنه أن يشتغل بالسياسة.
Página desconocida