ولادته ونشأته
ولد الإمام الزركشى عام ٧٤٥ هـ -ذكر ابن حجر أنه رآه بخطه (١) - بالقاهرة، ونشأ بها حيث كانت فى ذلك الزمن مغمورة بالمدارس، غاصة بالفضلاء وحملة العلم، زاخرة بدور الكتب الخاصة والعامة، والمساجد الحافلة بطلاب العلم والمعرفة، والوافدين من شتى أنحاء العالم الإسلامى، كما تقدم فى الكلام على الحالة العلمية فى عصره (٢).
وكان من عائلة متوسطة الحال، فتعلم فى صغره صنعة الزركشى، إلا أنه كان مولعًا بحب العلم منذ صغره، فلذلك نراه وهو لم يتجاوز سن الحداثة بعد قد انتظم فى حلقات الدرس، وتفقه بمذهب الشافعى، وحفظ كتاب المنهاج فى الفروع كما تقدم، وتتبع مجالس الفقهاء والعلماء والمحدثين حتى صار إمامًا، وأصبح أهلًا للفتى والتدريس، وقد شهد له الجميع بالفضل والسبق، كما شهدوا له بحسن الخلق والتواضع والزهد فى الدنيا، والإقبال على العلم، ومما ساعده على ذلك عزلته وانقطاعه فى منزله وكفاية أقربائه له مؤنة الحياة، ذلك كان له أكبر الأثر فى حياته العلمية، وتنمية مواهبه، وإشباع رغبته من طلب العلم، ومواصلة الدرس والبحث طول وقته فى الكتب، وهذا البحث والانقطاع واضح من تلك المؤلفات الكثيرة والقيمة التى صنفها فى مدة حياته القصيرة، والتى جمع فيها جمعًا لم يتوافر لغيره من أكابر العلماء، ولم تقف همته العالية عند حدّ معين، ولم يقتصر على فن من فنون المعرفة، بل خاض فى جميع الفنون، وكان له الباع الطويل فيها، لأنه كان يتطلع دائمًا إلى المزيد من العلم بالقراءة والتدريس والتأليف مهما كلفه ذلك من جهد ومشقة واغتراب عن الأهل والوطن، وكان يزاحم العلماء ويحضر
_________
(١) الدرر الكامنة ٣/ ٣٩٧.
(٢) انظر طبقات السبكى ٥/ ١٦٥.
1 / 28