الفصل الخامس والثلاثون
في ذلك المساء اجتمع طاهر أفندي بحسن بك بهجت المحامي، وقال له: بعد ثلاثة أيام موعد كتابة كتاب نعيمة على خليل. - ويلاه! ما هذا الخبر المشئوم الذي ترويه لي يا طاهر أفندي؟ - ليس خبرا مشئوما، أقول لك: إنه بعد ثلاثة أيام يكون موعد كتابة الكتاب، ولكن الكتاب لا يكتب - إن شاء الله. - هل دبرت التدابير اللازمة لعرقلة الأمر؟ - التدابير اللازمة عندك. - ماذا تعني، أتريد أن تتركني لنفسي؟ - كلا، أليست الكمبيالتان عندك؟! - نعم. - في هذا المساء أو في صباح الغد طالب عزيز وخليل بالقيمتين حتى إذا لم يدفعا في مدة 24 ساعة ترفع قضية عليهما في الحال، وأعلن بين جميع معارفهما أن عليهما 58 ألف جنيه. - وبعد ذلك ماذا يكون؟ - يتخوف حسين باشا من أمرهما متى عرف أنهما تحت هذا الدين، وعلي الباقي من المسألة.
خرج حسن بك من عند طاهر أفندي وذهب توا إلى مكتبه وهم أن يكتب لعزيز باشا كتابا، ولكن لم يكن عنده صبر، فقرع جرس التلفون وطلب منزل عزيز باشا ومخاطبته، فلما رد عليه قال حسن بك: لم تجبني بكلمة عن أمر الكمبيالتين اللتين عليك وعلى أخيك، فإذا لم يكن المبلغ كله عندي غدا مساء أجريت اللازم.
فوقع عزيز باشا في حيص بيص، وحار في أمره، ماذا يفعل؟ وعز عليه جدا أن يتوسل إلى حسن بك بهجت أن يمهله فخطر له أن يلتمس الإمهال من طاهر أفندي ، فخاطبه تلفونيا ورجاه فقال طاهر أفندي: «إن الكمبيالتين تحت مطلق تصرف حسن بك بهجت فعليك بمباحثته بهذا الشأن.»
فعاد عزيز باشا يفكر في ماذا يفعل؟ فلم يجد وسيلة لإيفاء هذا المبلغ الجسيم وثروة أخيه لم يبق منها أكثر مما يوفي الكمبيالة التي عليه، ليس له إلا ثروة زوجته الطائلة ولكنها أصرت ألا تمنحه منها فدانا واحدا؛ ولذلك عقد النية على ارتكاب جناية هائلة، وكان له صديق طبيب خبيث القلب مثله، فاتفق معه سرا على أنه إذا ماتت زينب يقرر أن موتها كان لمرض.
خطر له أن يرتكب جناية التسميم؛ لأن زينب كانت مريضة، فوصف لها الطبيب شربة ماء معدني «فيلا كبرا» فاستحضر عزيز زجاجة منها، ودس فيها مقدارا من الزرنيخ كافيا للقتل، ثم أخذها إلى زينب، وقال لها: غدا صباحا تشربين هذه الشربة التي وصفها لك الطبيب، فقالت: «نعم» ولكنها صارت ترتاب بكل عمل من أعمال عزيز باشا فخطر لها أن قد تكون هذه الشربة مسمومة، وإلا فلماذا يهتم عزيز بنفسه أن يقدمها لها؟ فصممت على أن لا تشربها وصارت تحسب حسابا لكل شيء في البيت وتشك بكل ما يقدم لها، واستولى عليها الخوف فصارت تأكل غير ما يقدم لها.
دفع عزيز باشا الزجاجة لزوجته، وجعل ضميره يحاربه، فخطر له أن يصمت صوت ضميره فذهب إلى الحانات يرتشف الخمور؛ لكي تطرد سورة السكر تلك الهواجس المخيفة من نفسه، ويذكر القارئ أن عزيز باشا كان يختلف إلى امرأة تدعى راحيل، فهذه قصد إليها في ذلك المساء سالم أفندي رحيم، واختلى بها، وقال لها: أتيت إليك بمهمة لك منها نفع، فأرجو أن تكلميني وتسمعيني بحرية ضمير من غير مخاتلة.
فأبرقت أسرة راحيل وقالت: لك ما تشاء. - ألا تزالين تحبين عزيز باشا مجدي؟ - لا أحب أحدا غير الأصفر الرنان. - نعم المحبوب! أعني بسؤالي: ألم يزل من جملة أصدقائك؟ - يتردد علي حينا بعد آخر. - لك هذه الجنيهات العشر الآن، وبعد إنجاز المهمة لك العشرون، فاستوت راحيل في مكانها وكادت عيناها تلتهمان الجنيهات من كفه وهو يريها إياها، فقالت له: ماذا عسى أن تكون هذه المهمة؟ فإني أقضيها بكل اهتمام وعناية. - المهمة بسيطة جدا، وفي وسعك أن تتقنيها بسهولة، إن عزيز باشا هذا موجود الآن في حانة في شارع وجه البركة، فعليك أن تمضي إليه وتلاطفيه وتجامليه حتى تجتذبيه لكي يبات هنا الليلة.
ثم التفت سالم إلى جدران الغرفة، فرأى بابا مقفلا فقال: إلى أين يفتح هذا الباب؟ - إلى الصالون. - لمن الصالون؟ - لي. - حسن جدا، أرجو أن تعطيني مفتاح الصالون في هذه الليلة. - خذه. - ولا تدعي أحدا يعرف أن في الصالون بشرا. - لا أحد يعرف. - ثم عليك وأنت مع عزيز في هذه الغرفة أن تكاشفيه ضميره في أمر مرافقتك، وتتحببي إليه جيدا وتعاتبيه، وتظهري له أنك لا تقدرين أن تعيشي وهو بعيد عنك، إلى غير ذلك من حديث التحبب، وإذا استطعت أن يطلق امرأته ويتزوجك، واجتهدي أن تقدحي بزوجته وتذمي شكلها وتكرهيه فيها. - وما الغاية من ذلك؟ - لا تسألي عن الغاية. - أود أن أعرف النتيجة لعل بالنتيجة أذية لي. - كوني مطمئنة من هذا القبيل؛ فإني أترك الصالون قبل أن يتركك عزيز باشا في هذا المساء، وهاك عشرة جنيهات علاوة.
فلما رأت راحيل الجنيهات عدلت عن التدلل والتحجج، وقالت: ها أنا ذاهبة لاصطياده. - متى يمكنك أن تعودي به؟ - الآن الساعة التاسعة مساء، وربما نعود في منتصف الليل.
Página desconocida