وها نحن الآن في يدي الله، فأنت شمس منيرة في يمناه، وأنا أرض مستنيرة في يسراه، ولكن قوتك إلى الإنارة ليست بأفضل من قوتي على الاستنارة.
وما نحن - الشمس والأرض - إلا بداءة لشمس أعظم وأرض أعظم، وسنبقى بداءة إلى الأبد.
أنت سابق نفسك أيها الغريب العابر بباب حديقتي، وأنا مثلك سابق نفسي، ولو كنت أجلس في ظلال أشجاري وأبدو ساكنا هادئا.
البهلول
جاء في قديم الزمان رجل من البادية إلى مدينة الشريعة العظيمة، وكان بهلولا خياليا، ولم يكن له من متاع سوى ثوبه وعصاه.
فكان يطوف في شوارع المدينة ويتأمل هياكلها وأبراجها وقصورها بإعجاب وإجلال؛ لأن مدينة الشريعة كانت في غاية من الجمال. وكان بين الآونة والأخرى يخاطب العابرين به مستفهما عن مدينتهم وغرائبها، فلم يفهموا لغته كما أنه لم يفهم لغة أحد منهم.
وعند انتصاف النهار وقف أمام فندق فسيح الأرجاء، بديع الهندسة والإتقان، وكان الناس يدخلون إليه ويخرجون منه من غير اعتراض.
فقال البهلول في ذاته: «لا شك أن هذا مزار مقدس»، ودخل مع الداخلين.
وشد ما كانت حيرته عندما وجد نفسه في بهو عظيم، وكبراء القوم من رجال ونساء جالسون إلى كثير من الموائد الأنيقة، يأكلون ويشربون، والموسيقيون يشنفون آذانهم بأطرب العزف والغناء.
فقال البهلول إذ ذاك في ذاته: «قد ضللت، فما هذه بالعبادة التي توهمت، بل هذه مأدبة أعدها الأمير لشعبه تذكارا لحدث جلل.»
Página desconocida