ارحم أسيرًا لو رآه من العِدى ... أقساهم قلبًا لرقَّ لحاله
ما أطول الليل الذي يفنيه في ... سهر وأطول منه ليل عياله
يشكو قيودًا قصرت من خطوه ... وسلاسلًا حكمت بضيق مجاله
ما ضرّ مثلك لو عفا عنه فمن ... دأب الكرام العفو عن أمثاله
هب أنه ممن أساء فما له ... غلب الرزانة منك سوء فعاله (١)
وعندما رزئ بفقد وألده رثاه بالقصيدة التالية، منوهًا عن صلاحه واستقامته بقوله:
فقدته فاضلًا فاضت مآثره ... العلم والأدب المأثور والورع
أخا طباع مصفّاة مناسبة ... ماء السحابة ما في بعضها طبع
وذا حقائق لا في لحظه طلب ... لغير رشد ولا في لفظه قذع
لم يأل ما عاش جدًا في تقاه يرى ... إن الحريص على دنياه منخدع
صام النهار وقام الليل وهو شج ... من خشية الله كابي اللون ممتقع (٢)
وأما والدته فقد كانت شديدة العطف رقيقة القلب، وكان مجابة الدعوة وهذا ما يلتمس في القصة التي حكاها الزمخشري بقوله: "كنت في صباي أمسكت عصفورًا وربطته بخيط في رجله، فأفلت من يدي فأدركته وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي، وقالت: قطع الله رجلك كما قطعت رجله" (٣). وقطعت رجله عندما سقط عن دابته.
والأسرة بصفة عامة كانت أسرة متدينة، ملتزمة بآداب الشرع وتعاليمه، وهو ما أشاد به الزمخشري في الأبيات التالية:
هات التي شبهت ظلمًا بشمس ضحى ... لو عارضتها لغطتها بإشراق
_________
(١) انظر: الصاوي، منهج الزمخشري في تفسير القرآن، ص ٢٥.
(٢) منهج الزمخشري في تفسير القرآن، ص ٢٦.
(٣) وفيات الأعيان ٥/ ١٦٩.
1 / 31