171

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Géneros

ثم ذكرت ما بينها وبين أبيها من التباين في الأخلاق والمبادئ حتى أوشكت أن تنكر نفسها؛ إذ لم يخطر لها أن أباها يكلم ابنته بمثل ما كلمها به.

وهنا تاهت في مهامه التفكير وعادت بتصورها إلى عهد الحداثة، فذكرت أن أباها كان يقيم في البلاط الملوكي في ميونخ، وأنها رأت مرة رجلا دخل إليه، فكلمه بلهجة تشف عن الغضب والاحتقار، وذكرت أن أباها كان يدعو هذا الرجل: «يا أبي»، ثم ذكرت أن هذا الرجل خرج من حجرة أبيها وهو يقول: إني أشكرك، ولم يعد بيننا أدنى اتصال.

وكانت في ذلك العهد صغيرة تلعب في القاعة، فلم يفطن لها المتحدثان وقد تجسمت الآن الذكرى في مخيلتها فقالت: لا بد أن يكون لأبي سر عظيم ولا بد أن يبوح لي بهذا السر.

وعند ذلك خرجت من حجرتها وعادت إلى حجرة أبيها، فقال لها بلهجة المتهكم: أراك عدت إلي، فهل سكن ثائر غضبك؟

فأجابته ببرود قائلة: إني قد بلغت الرشاد وبات يحق لي الوقوف على أسرارنا العائلية. - أية أسرار يا ابنتي؟ وماذا تريدين أن تعرفي؟ - أريد أن أعرف السبب الذي دعا إلى هذا التقاطع بينك وبين امرأة عمي، فإن كلا منكما يحاذر أن يرى الآخر.

فاصفر عند ذلك وجه أبيها وجعل ينظر إليها نظرة الفاحص، فقاومت نظراته وقالت له بلهجة السيادة: إني أريد أن أعلم.

11

وكانت تقول هذا القول وعلائم صدق العزيمة بادية بين عينيها، حتى إن أباها اصفر وجهه واضطرب وقطب حاجبيه.

ولكن اضطرابه لم يطل، فإنه عاد إلى سكينته وابتسم ابتسام الساخر، وقال لها: أتعلمين يا ابنتي، إنك تسألينني سؤالا يصعب الجواب عليه. - مهما يكن من أمرك معها، فلا يخلق كتمانه عن ابنتك. - وماذا تظنين أن يكون بيني وبينها؟ فإن غاية ما بيننا فتور دعت إليه أخلاقها الغريبة، ثم إني أعلم أنها لا تحبني ولذلك ترينني منقطعا عن زيارتها. - إني قد أكتفي بهذا السبب الذي ذكرته لو كنت لا أزال في عهد الحداثة، ولكنه لا يجوز علي الآن وقد بلغت سن الرشاد. - إذن ماذا تريدين أن أقول لك؟ - الحقيقة. - ليكن ما تريدين، فاعلمي إذن أن امرأة عمك لا تحبني ولا تحترمني. - لماذا لا تحترمك؟ - لأني كنت سيئ السلوك في عهد صباي. - أهذا هو كل السبب؟ - نعم. - فهزت كتفيها وقالت: أرى يا أبي أني لم أفصح معك القول، فهل تريد أن أصرح؟ - دون شك. - إنك ربيتني يا أبي وغرست في نفسي فكرة الزواج بلوسيان، وكذلك الكونتس امرأة عمي فقد عللت ابنها لوسيان بزواجي منذ الحداثة، ولكنك مع ذلك تحاول اجتناب الكونتس وهي تحاول اجتنابك. - هو ذاك، فماذا تستنتجين من ذلك؟ - لم أستنتج شيئا من ذلك بعد، ثم إن ما بينكما لا يدل على الفتور فقط بل على الكره الشديد فإنها قد تجاهر بكرهك، وأنت إذا ذكر اسمها أمامك يصفر وجهك. - إني لم أفهم قصدك بعد. - أتريد أن تفهم كل ما يجول في خاطري؟ - إني مصغ إليك. - أرى يا أبي أنه يوجد بينك وبين الكونتس دي مازير سر هائل ... وربما كان بينكما أيضا ...

وهنا توقفت عن الكلام كأنها لم تجسر على إتمام الحديث، فقال لها أبوها: ماذا ترين بيننا أيضا؟ - عفوك يا أبي، فإني مدينة لك بالاحترام وأخشى أن أتجاوز حده إذا قلت هذه الكلمة التي توقفت عن قولها، ولكنها تحرق شفتي. - قوليها ولا بأس عليك. - أخاف أن يكون بيننا ما هو فوق السر. - لعلك تريدين القول إن بيننا جريمة؟

Página desconocida