قال أبو علي محمد بن الحسين الحاتمي الكاتب اللغوي: إن معاني الآداب وإن كانت عاطلة الأطلال، مستحيلة الحال، دائرة العرصات، عافية المعالم والآيات المغاني، محادثة بألسنة الحدثان، فإنها اليوم بالرئيس لأبي الفرج محمد بن العباس حالية الجياد، صادقة الرواد، موسومة ربوعها بوسمي العهاد. تهتز نضره ونعيما، ويتم رياها تضوعًا ونسيمًا. فلا زالت معاقد الفضل به منظومة، وإغفاله بمجده موسومة، ومجاهله بمحاسنه معلومة، ما نشرت أنابيب القنا نثرة، واستضحكت لانتخاب الحيا زهرة، وتحيرت في مقلة عبره. أجد الرئيس شديد العلاقة بمفاوضي إياه ما كانت المشاجرة وقعت فيه بيني وبين أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، في المجلس الذي أثرت فيه آثاره، وسافرت في أطرار البلاد أخباره، مستهترًا بتكرير فصول منه تتعلق بحفظي منه، منازعًا جمع شتيته مشيرًا إلى اليوم الذي شجرت تلك المنازعة فيه إشارة معني به معين على الشهر والسنة والوقت من الزمان، وإلى ما أثمرت لي تلك المنازعة من بعد الصيت وشراد الذكر وقدم السبق واللحاق به، في حال الغرارة ولين الغصن، بالغاية التي لا يجري في مضمارها إلا المذكي من أهل الفضل. هذا إلى إناقة المكان، وازلاق السلطان، وتناصر الأنصار والأعوان. وانتشار ما كان مطويا في تلك الأيام من فضلي، ومغمورًا بقوارع الحساد وسن الصبا من محاسني. وأرادني، أدام الله قدرته، على إنشاء رسالة تشمل على إنشاء رسالة تشمل على أشتاته، وتنظم منشور فصوله وأبياته. وأجدني لا أرتاح إلى ذلك ارتياحي - كان - قديمًا له، ولا أهش إلى الحديث عنه هشاشة كانت إليه. لأمور أخصها ترفعي الآن، مع إبراق غصني وإثماره وتبسم نواره واستطارة أنواره، عن ذكره. ولتصوني عن قوارص غلمة لا أحلام لهم تنحط في شعبه وتنخرط في سلكه. ثم لأني أطلت عنان القول مع الرجل إطالة ربما اتهم الحاكي لها والمخبر عنها، وإن كانت الحال اشرد خبرًا وأخلد أثرًا من أن ينسخ صباحها أو يطفأ مصباحها. وقد حضر المجلس أعيان من الناس تقع الإشارة إلى إخطارهم، والاستنامة إلى أخبارهم، من بين قاضٍ يقطع بقوله، وشيخ من شيوخ الدب يقضى بشهادته، وحدث من أبناء الكتابة يمور ماء الحياء في أسارير وجهه وكانت للوزير أبي محمد الحسن بن محمد الحسن بن محمد المهلبي، ﵀، هناك طليعة من طلائعه، وربيئة من ربايا مراعاته، وعين من عيونه مذكاة. فإنه كان - نصر الله وجهه - لما تثاقل أبو الطيب عن خدمته، وأساء التوصل إلى استنزاله عن عرفه، ولم يوفق لاستمطار كفه وكانت واكفة البنان، منهلة باللجين والعقيان، سامني هتك حريمه، وتمزيق أديمه. ووكلني بتتبع عواره، وتصفح أشعاره وإحواجه إلى مفارقة العراق واضطراره كراهية لمقامه بعد تناهيه - كان - في إدنائه وإكرامه. وحسبي علم الرئيس بحقيقة الحال وصدق المقال وتبريز الفعال ونهوضي في حدثان الشبيبة بما قصرت عن جملته همم الرجال. وكانت أتيته رأد الضحى، وحين التقت الشمس قناها على الأرض، فجمعت في داره بين صلاتي الظهر والعصر. وانصرفت عنه وقد نفضت الشمس صبغها، وطفلت على الظلام بطفلها. وكنت استدركت في الحال ما تمكنت من استدراكه من تلك المشاجرة وتلافيت ما أسعد المقدار بالتوفيق بجمعه منها. وكان من مظاهرة الجماعة الحاضرة على نظمه وضمه، ومراعاة ما صدر عني وعنه، والتنبيه على ما استسر عن ذكري منه، ما أنهض خاطري وإن كان خطارا، واقتدح زناد فكري وإن كان يستطير نارا. فقيدته برسالة وسمت جبهة الأدب، وذهبت بها أفواه الرواة في كل مذهب. وإذ كان الرئيس مؤثرًا سمتها باسمه، وعرضها على تصفحه ونقده، فأنا أصيل جناح هذه المقدمة بها، وأهذب ما أرى تهذيبه من لفظها، وأبرأ إليه من العهدة في امتداد نفسي فيها، فإن يدي ولساني يجريان في حلبة البيان، جري بنات الغصين غداة الرهان. وأرجو أن يسعدها التوفيق بجميل رأيه، وأن تقع الموقع الذي توخيته بها من امتثال مرسومه. وسأتلو ذلك بمنازعات نازعتها أبا الطيب تتعلق بشعره في عدة مجالس وإياه من بعد هذا المجلس، وبمواقع طالعتها من اجتلاباته وسرقاته وسقطات أسقطها في شعره، لم تجر فيها مراجعة ولا منازعة، وليكون ذلك أمتع لقاريه وأجمع لشمل ما توخيته فيه. وأنسج بعضًا ببعض من غير أن أميز آخرًا عن أول، وماضيًا عن مستقبل، وأشفع القول بما يزيد الحق وضوحًا، من شاهد
1 / 2