هذا ١:
كأن مُثارَ النَّقع فوق رؤوسنا ... وأسْيافَنا، ليل تَهَاوى كواكبه
ومراد صاحب المفتاح من الصياغة /س ٩٦ب/ حيث قال ٢: " مثل ما يسبق إلى فهمك من تركيب (إن زيدا منطلقٌ) إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام.. " هذه الصياغة المستعارة للنظم. ولذلك أضافها إلى الكلام دون المعاني كما أضافها إليها في موضع آخر على ما تقف عليه بإذن الله تعالى.
وقد تستعار الصياغة لترتيب المعاني وإحداث الصورة فيها كما هو الظاهر من كلام الشيخ حيث قال في كتابه المذكور سابقا ٣: " واعلم أن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس /ع ٢٠٩ب/ تكون ٤ من جهة الصورة، فكان تبين ٥ إنسان من إنسان، وفرس من فرس، بخصوصية تكون ٦ في صورة هذا لا تكون ٧ في صورة ذاك. وكذلك الأمر في المصنوعات، وكان تبين ٨ خاتم من خاتم، وسوار من سوار بذلك، ثم وجدنا بين المعنى في أحد البيتين ٩، وبينه في الآخر بينونة في عقولنا وفرقا، عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا: للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك، وليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئا نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ: " إنما الشعر صياغة١٠ وضرب من التصوير " انتهى كلامه.
وهذا المعنى من الصياغة أيضا لا يتوقف على الاتساع /س ٩٧أ/ والتجوز، بل يتحقق بهما تارة، وبمجرد التصرف في النظم أخرى. صرَّح الشيخ بذلك، حيث قال ١١: " جملة الأمر أنَّ صورَ المعاني لا تتغير ١٢ بنقلها من لفظ إلى لفظ حتى يكون هناك اتساع ومجاز، وحتى لا يراد من الألفاظ ظواهر ما وضعت له في اللغة، ولكن يشار إلى معان أخر.
واعلم أن هذا كذلك ما دام النظم واحدا، فأما إذا تغيَّر النظم فلا بد حينئذ من أن تتغير ١٣ صورة المعنى على ما مضى من البيان في ١٤ مسائل التقديم والتأخير " إلى هنا كلامه.
إلا أنه في الغالب يكون بنوع من الأتساع والتجوز، ولذلك قال الجاحظ: وإنما الشعر صياغة، ولم يقل: وإنما الكلام صياغة؛ فإن الشعر كالعلم لما اتُّسع فيه وتجوّز من الكلام، وإلا فحقه التعميم كما فصله ١٥ الشيخ، حيث قال ١٦: " ومعلوم أم سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى /ع ٢١٠أ/ الذي يعبر عنه سبيل الشيء ١٧ الذي يقع التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب، يصاغ منها خاتم أو سوار " انتهى كلامه ١٨.
1 / 186